كالمسيحية. فالمذهبان واحد في الجوهر: فالإسلام لم يأت ليحل محل التعاليم المسيحية، بل ليكملها (10).
الأمة، في العالم الحديث، هي قطب الولاء ووحدة المجتمع. وأمة طه حسين هي مصر. فالأرض الواحدة، في نظره، كما كانت في نظر بعض من سبقه من المفكرين، هي المحور الرئيسي للشعور الاجتماعي. أما شعوره الوطني فهو، كشعور أقرانه وشعور لطفي السيد من الجيل السابق، رومانسي حار، ينصب على الوطن ذاته، لا على القاطنين فيه، وتغذيه صور نابضة من حياة الريف المصري بأفراحها وأتراحها، وذلك بخلاف ما عرفه الفكر المصري السابق أو الفكر المعاصر في البلدان العربية الأخرى، ربما باستثناء لبنان. ويمكن اعتباره إسهامًا خاصًا أداه هؤلاء إلى الوعي العربي الحديث. وهم، حين كتبوا أفضل قصصهم عن حياة الريف، إنما فعلوا ذلك بتواضع وقليل من التبجح.
أما الأمة المصرية فلا تزال، عند طه حسين، تلك التي تشتمل مبدئيًا على جميع من يقطنون أرض مصر ويعتبرونها وطنًا لهم. لكنها أضيق مما كانت عليه في ذهن الطهطاوي. فهو يميز، كسعد زغلول، بعض التمييز بين المصريين الأصيلين وبين الجاليات الأوروبية والمشرقية المسيطرة على حياة مصر الاقتصادية. لكنه لا يفرق قط بين المصري المسلم والمصري المسيحي. فالشعور الوطني، في نظره، أهم من أي شيء آخر. ثم إن الفرد وحقوقه فوق الأمة، لكن الأمة فوق كل الجماعات التي تتألف منها. أما الدين، فإنما يكتسب قيمته الاجتماعية مما يقدمه للفكرة الوطنية من محتوى ولوحدة الأمة من قوة: فالإسلام عنصر من عناصر الوطنية المصرية (11). وعلى المدارس أن تلقن الدين الوطني كما تلقن التاريخ الوطني. وهذا أيضًا مما ينسجم مع معتقداته العامة. فمهمة الدين أن يشبع عواطفنا، لا أن يوجهنا في المجتمع الحديث أو يزودنا بالمبادئ التي بموجبها نحاسب على أفعالنا. وبما أن الإسلام هو دين المسلمين