الإسلامية قد «تأوربت» أيضًا. فالمحاكم الشرعية فيها، مثلًا، أقرب إلى المحاكم الأوروبية منها إلى المحاكم الإسلامية التقليدية. نعم، لا تزال هناك فروق بين مصر وأوروبا. لكن هذه الفروق ناجمة جميعًا عن عامل واحد، هو أن نهضة أوروبا قد تمت في القرن الخامس عشر، بينما نهضة مصر لم تبدأ إلا في القرن التاسع عشر. غير أن مصر آخذة الآن في الاستعاضة بسرعة عما فاتها. وهذا تطور لا يعكس. فحتى الذين يلقبون أنفسهم بالمحافظين لا يريدون، بالحقيقة، العودة إلى الماضي.

يمكن، ولا شك، الاعتراض على نظرية طه حسين هذه بالقول إن الغرب، بالمفهوم العادي، مسيحي، بينما مصر إسلامية. ولعل طه حسين تحاشى، في هذا الكتاب، التطرق إلى مسألة الفارق الديني. فالعاصفة التي أثارها كتابه في الشعر الجاهلي ربما هزت أعماقه بحيث أنه أخذ، منذ ذلك الحين، يتحاشى أي نقاش حول الإسلام من شأنه إثارة عاصفة أخرى. غير أن اللجوء إلى مثل هذا الافتراض الذي ينتقص من قدر طه حسين ليس ضروريًا. فعدم إعارته الفارق الديني أي أهمية ينسجم هنا تمامًا مع تفكيره العام. إذ أنه رأى أن للعالم الحديث ميزة خاصة في فصله عمليًا بين الدين والمدنية جاعلًا لكل منهما دائرة خاصة به. لذلك أصبح بالمستطاع اقتباس «أسس» المدنية الأوروبية بدون اقتباس دينها (9). غير أن هذا يفترض توفر شرط واحد، هو أن يقبل المصريون على إجراء فصل مماثل بين الدين والمدنية. وهم قادرون على ذلك، لا بل إن ذلك أسهل على المسلمين منه على المسيحيين، ما دام لا كهنوت في الإسلام، ولم تنشأ فيه طبقة ذات منفعة معينة في سيطرة الدين على المجتمع. لقد اقتبس الإسلام المدنيتين الإغريقية والفارسية بسهولة، وبإمكانه أن يفعل ذلك إزاء مدنية أوروبا الحديثة. وفي وسع الإسلام، في المجتمع الحديث، حيث تتعلق مهمة الدين الحقيقية بالعواطف لا بالعقل، أن يقوم بهذه المهمة على خير وجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015