أيضًا لا تستطيع أن تكون أساسًا لأسرة اجتماعية سياسية. ويعتقد طه حسين أن الرجوع إلى تاريخ مصر يكفي للتأكد من أن «الوحدة» التي تشترك فيها مصر، على هذا المستوى، إنما هي «الغرب». فهي لم تكن ذات صلة مستمرة مع بلدان الشرق بمعناه الدقيق، بينما كان لها مثل هذه الصلة بالبلدان التي نشأت فيها المدنية الأوروبية، أي بلدان الشرق الأدنى والبحر الإيجي والبحر المتوسط. وهي لم تلعب، في ذلك دور المتأثر فحسب، بل شاركت في خلق مدنية البحر المتوسط. وكان تيار التأثير، طيلة العصور القديمة، يسير بينها وبين اليونان في كلا الاتجاهين. وكان تاريخ مصر، داخل العالم الغربي، متصلًا. فكانت مصر، حتى ضمن الإمبراطورية الإسلامية، من أولى المناطق التي «استعادت شخصيتها القديمة» في عهد ابن طولون وبعده. وهذه الشخصية لا تزال اليوم قائمة على أساس ثابت من الجغرافيا والدين واللغة والتاريخ العريق (7).

لماذا إذن ظهرت الفوارق الحاضرة؟ ولماذا تخلفت مصر وسائر بلدان شرقي البحر المتوسط عن بلدان أوروبا في المدنية؟ كان جواب طه حسين على هذا السؤال الجواب الشائع آنذاك، وهو أن السيطرة العثمانية هي التي أنزلت الخراب بالمدنية. لكنه يوضح أن المرحلة الحالية ما هي إلا مرحلة عابرة. فأوروبا كان لها أيضًا عصورها المظلمة، وعصر الإسلام المظلم إنما هو أقل ظلامًا في مصر منه في غيرها من البلدان. وللأزهر، بالرغم من كل ما يقال فيه، فضله في حماية المدنية من الأتراك. إن عصر الانحطاط يسرع نحو نهايته في مصر أكثر من البلدان الأخرى. فهي قد «تأوربت» من جديد، خلال المئة عام الفائتة، في جميع نواحي حياتها المادية والمعنوية. وهي، حتى في حياتها السياسية، إنما تعاني قضية أوروبية صرف هي قضية الديمقراطية والأوتوقراطية. فالذين حكموها استبداديًا (وهو يشير هنا إلى إسماعيل)، كانوا أقرب شبهًا بلويس الرابع عشر منهم بعبد الحميد (8). بل إن مؤسسات مصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015