شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد فيها وما يعاب» (5).
وكيف يتم ذلك؟ يعتقد طه حسين أن أول خطوة في هذا السبيل هي أن يدرس المصريون تاريخهم، ويفهموا أن مصر كانت دومًا جزءًا من أوروبا. كان طه حسين يكتب في زمن كان فيه التمييز بين «الشرق» و «الغرب» مألوفًا لدى الكتاب الشرقيين والغربيين على السواء. وكانت مصر تعتبر على العموم من الشرق. وقد مثل هذا التفكير على أكمله كتاب بعنوان «الشرق والغرب» وضعه معاصر لطه حسين، هو أحمد أمين. فهذا الكتاب الذي صدر بعد كتاب طه حسين بعشر سنوات يعكس الأفكار الشائعة في ذلك العهد، وهي أن الغرب يأخذ بالسببية، ولا يعني إلا بخيرات هذا العالم، وأن روحه علمية، وتفكيره في الشؤون الاقتصادية تفكير عقلي؛ في حين أن الشرق لا يفتقر إلا إلى اقتباس روح الغرب العلمية ونظمه الإنتاجية كي ينتعش من جديد ويعطي العالم ما عنده من «روحانيات وأديان وتأملات» (6). لكن طه حسين، على قبوله بتقسيم العالم إلى شرق وغرب، يعتقد جازمًا أن مصر تنتمي إلى الغرب لا إلى الشرق. فالتمييز الجوهري، في نظره، ينجم عن جغرافية الروح لا عن جغرافيا الطبيعة، إذ أن في العالم مدنيتين تختلف الواحدة منهما عن الأخرى اختلافًا جوهريًا: الأولى متحدرة من فلسفة الإغريق وفنهم، وشرائع روما وتنظيمها السياسي، وقيم المسيحية الخلقية، والثانية متحدرة من الهند. أما مصر فهي من الأولى لا من الثانية.
لكن لماذا تعتبر مصر عادة بلادًا شرقية؟ يذهب طه حسين إلى أن الفكرة الخاطئة القائلة بانتماء مصر إلى العالم الشرقي تعود إلى واحد من سببين: الأول هو وجود مصلحة مشتركة ما، سياسية أو اقتصادية، كمصلحة البلدان الأسيوية والإفريقية في التحرر من السيطرة الأوروبية. لكنه يرى أن هذه المصلحة سطحية وعابرة ولا تخلق الرابطة الدائمة الضرورية لمدنية مشتركة. والثاني هو الوحدة الدينية التي هي