تكن إلا مظهرًا آخر من مظاهر الشعور الإسلامي، ثم تعريف الشعب اللبناني بأنه أمة قائمة بذاتها، مسيحية ومتوسطية، مرتبطة بدول أوروبا اللاتينية.

وقد تزايدت الطريق الأولى أهمية في الأربعينيات، كما سنرى، وذلك بسبب الظروف الجديدة، بعد أن كانت الطريق الثانية هي السائدة خلال العشرين سنة الفاصلة بين الحربين، إذ سلكها فريق من الكتاب اللبنانيين ذوي التربية الأوروبية والتفكير الأوروبي وغالبًا اللغة الأوروبية، وفي مقدمتهم الشعراء شارل قرم وميشال شيحا وسعيد عقل.

لقد قالوا بوجود أمة لبنانية قائمة بذاتها، برزت في التاريخ للمرة الأولى في عهد الفينيقيين، واتخذت تدريجًا شكلها الحالي. وقد قولبها، أكثر من أي شيء آخر، عاملان: الأول موقعها الجغرافي. فالجبل الذي هو قوامها كان ملجأ، والطرق الكبيرة التي تحف بجانبيه استرعت دومًا انتباه أسياد العالم، والثاني استمرار سكانها الذي لم ينقطع منذ أقدم الأزمان، وتضخمهم بالهجرات المتتابعة حتى يومنا هذا. (يشير شيحا في 1942 إلى أن عشر سكان لبنان الحاليين قد دخلوا لبنان خلال العشرين سنة الماضية، بمن فيهم أفراد من أسرة السلاطين العثمانيين. ويضيف قائلًا: «لقد كان من الخليق بأسياد الشرق السابقين أن يجدوا ملجأهم الأخير على أرضنا» (127).

وهكذا نشأ شعب وحيد من نوعه، لا يمكن وصفه بتعابير غير التعابير الخاصة به. وفي هذا يقول ميشال شيحا: «أيقال بعد هذا أن لبنان اليوم هو سامي؟ أم يقال إنه عربي؟ لكل رأيه. فالأب لامنس، الذي افترض أن له بعض الوزن، كان يشك بعروبة سوريا نفسها. فلسوريا، في نظره، طابع خاص: إنها سورية. ونحن نقول من جهتنا، وحججنا أدمغ، إن أهالي لبنان هم لبنانيون وحسب، وإنهم، مع التحفظ بشأن التجنسات الجديدة، ليسوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015