يعود ما كان لهذا الحزب من تأثير وما أصابه من نجاح إلى ما كان عليه من انسجام، ومن عقيدة قومية نظامية انغرست في نفوس أعضائه بفضل عمل تربوي سياسي. لقد بسط أنطون سعادة بنفسه هذه العقيدة في مؤلف عام لم يصدر منه إلا الجزء الأول. فقال بأن الأمة هي الوحدة الأساسية للتاريخ الإنساني، وبأنها تنشأ عن المصلحة والإرادة، لا عن اللغة أو الدين، وبأنها قائمة بذاتها، لا تخضع لأي سلطة إلا التي تنبثق عن ذاتها (124). ثم يحاول، بدراسة مفصلة للتاريخ، أن يثبت أن هناك، بهذا المعنى، أمة سورية لها وجدان اجتماعي مشترك نما خلال حقبة طويلة من التاريخ، وهي تشمل سكان سوريا الجغرافية بكاملها. وقد ظلت موجودة، كوحدة قائمة بذاتها، حتى عندما أدمجت في إمبراطوريات أوسع أو جزئت إلى دويلات أصغر. فوجدت قبل الإسلام بزمن طويل، لكنها بلغت ذروة عظمتها، بعد نشوء الإسلام، على عهد الخلافة الأموية التي إنما كانت دولة سورية تعمل وفقًا لمبادئ المدنية السورية (125). أما على الصعيد السياسي، فقد دعا سعادة إلى إعادة توحيد هذه الأمة وإلى استقلالها السياسي استقلالًا تامًا، كما دعا، على الصعيد الداخلي، إلى توحيد المجتمع توحيدًا حقيقيًا وعميقًا، وذلك بتحقيق أمرين: الأول، فصل الدين عن السياسة فصلًا تامًا، لئلا تبقى الانقسامات الداخلية مستمرة. إلا أنه رأى من الضروري، «لاعتبارات دينية سياسية»، أن يكون للبنان، موقتًا، كيان منفصل. أما الأمر الثاني، فهو إصلاح اجتماعي واقتصادي واسع النطاق.

كان الحزب يميل إلى معارضة الفكرة القائلة بوحدة عربية شاملة. فهذه الفكرة كانت، في نظره، غير عملية، لا بل خطرة، من شأنها أن تصرف العقول والقوى عما كان ممكن التحقيق. لكنه، بعد 1945، صاغ برنامجه صيغة أكثر عروبة، مبررًا الوحدة السورية على أنها خطوة أولى نحو تكتل عربي أوسع، تتزعمه سوريا بعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015