شيوع وذيوع الآراء الانفصالية، لأني أعتقد أنها من نوع «غيوم اليأس» التي تستولي على النفوس عادة عندما تمنى بالإخفاق في تحقيق مشروع من المشاريع المحببة إليها، في مرحلة من مراحل العمل من أجلها، ولكنها لا تلبث أن تنقشع وتزول، عند التفكير في الأمور بشيء من الهدوء، وعند العودة إلى العمل مع شيء من الحزم والأمل» (123).
وبدا أكيدًا، بعد تأسيس جامعة الدول العربية في 1945 وتزعم مصر لها، أن التاريخ يبرر أمله. وقد رأس ساطع الحصري معهد جامعة الدول العربية للدراسات العربية معتبرًا هدف هذا المعهد التنشئة القومية الصحيحة. وليس من المستبعد أن تكون كتاباته قد ساهمت مع عوامل أخرى في تلوين القومية المصرية بلونها العربي.
إن هذا التوسيع لمفهوم الأمة بحيث يشمل مصر (وشمالي أفريقيا أيضًا) كان نتيجة ضرورية لتحديد الأمة باللغة وحدها. وقد تبين أن القومية اللغوية أو الثقافية، إنما هي لدى العرب، مثلما هي تقريبًا في كل مكان من الشرق الأدنى، أقوى من القومية الإقليمية. ويمكن رد ذلك إلى أسباب عدة، منها الاقتداء بالقومية الألمانية والقومية الإيطالية، وتأثير الحركات القومية الأخرى في الإمبراطورية العثمانية، واستيلاء اللغة العربية على قلوب الذين يعتبرونها لغة الدين والقومية على السواء. ولعل مرد ذلك أيضًا إلى تجزئة سوريا الجغرافية بعد الحرب العالمية الأولى. فسوريا كانت دومًا مركز الشعور القومي العربي. غير أن جيل ما قبل 1914 كان قد أخذ يشعر بشعور وطني معين نحو سوريا كوحدة جغرافية وتاريخية. ولو قدر لسوريا أن تستقل كوحدة غير مجزأة، لتسنى للشعور القومي العربي أن ينصب على هذه الوحدة المعينة، ولقام شيء من التوازن بين الشعور العربي والشعور السوري، على غرار ما حدث في مصر وفي العراق. فتجزئة سوريا إلى دويلات لم يكن أي منها يشكل وحدة طبيعية سوى لبنان قد جعلت الشعور القومي في سوريا يتحول نحو