القومية، لكنه لا يمكنه أن يخلقها، وهو لا يستطيع أن يقويها إلا إذا استخدم عمدًا في سبيل هذه الغاية. «فنحن لسنا سجناء ماضينا، إلا إذا أردنا ذلك. وعلى كل أمة أن تنسى جزءًا من تاريخها، ولا تتذكر منه إلا ما تجد فيه نفعًا لها» (117).

أما الدين، فالحصري لا ينكر تأثيره في المشاعر الإنسانية. فهو يساعد على خلق نوع من الوحدة في مشاعر الأفراد. لكن نوع هذا التأثير وكيفية ارتباطه بالوحدة القومية يختلفان من دين إلى دين. فالدين القومي لا يثير أي مشكلة قط، إذ لا شك في أنه يدعم الشعور القومي. لكن الأمر يتعقد عندما يكون الدين عالميًا، كالمسيحية والإسلام. فمن طبيعة هذا الدين أن يخلق مشاعر عالمية، لا بل مشاعر لا قومية. إلا أن هناك ما يحد من هذه النزعة. فالأديان لا تنتشر إلا بواسطة أداة التعبير القومي، أي اللغة؛ ولكل دين علاقة جوهرية مع لغة معينة، تنشأ عن التبشير به وعن كتبه وطقوسه المقدسة، ولا يمكنه أن ينتشر إلا بواسطة هذه اللغة، ولا ينتشر إلا إذا كان للأمة الناطقة بتلك اللغة مصلحة قومية في انتشاره. فيستخدم الشعور القومي الدين كوسيلة لتأكيد ذاته. وفي هذا يقول: «إن الدين إذا اتحد بلغة من اللغات قوى جذور تلك اللغة وحافظ على كيانها أكثر من جميع العوامل الاجتماعية الأخرى. ومما يلاحظ في سير الوقائع التاريخية أن الديانة، عندما تتفرع إلى مذاهب عديدة، قد تربط مقدرات بعض هذه المذاهب ببعض اللغات بوجه خاص. وتنتشر اللغة المذكورة مع انتشار المذهب الذي تبناها، وتتوسع سيطرة الأمة التي كانت الصاحبة الأصلية للغة المذكورة بفضل هذا الانتشار ... وعلى سبيل المثال، من المعلوم أن المذهب الأرثوذكسي قد اعتمد على النص اليوناني من الإنجيل، مما أدى إلى اصطباغ الكنيسة الأرثوذكسية بصبغة يونانية. وهذه الصبغة قويت بوجه خاص في بلاد البلقان، وصارت الكنيسة اليونانية تسيطر على الأمم المسيحية في مقدونيا وبلغاريا سيطرة معنوية شديدة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015