أرض الدولة الواحدة. وفي هذه الحالة، يكون المجتمع مستقرًا سياسيًا، كما تكون الأفكار والمشاعر السياسية مستقرة أيضًا. فلا صراع ولا التباس ولا تساؤل ولا توزع في الولاء. أما عندما لا تتوافر ذلك، فيما تتعقد الأفكار السياسية وتلتبس على أهلها وينشأ عن ذلك انقسام في المعتقدات السياسية قد ينذر بالخطر (114). في مثل هذه الحالات يصبح من الضروري توضيح المفهوم الحقيقي للقومية والدفاع عنه. وهذا هو الهدف الرئيسي، لا بل الأوحد، لكتابات الحصري.
ما هي الأمة إذن؟ يخالف الحصري مخالفة تامة المفكرين الإنكليز والفرنسيين القائلين بأن الأمة هي أي جماعة تريد أن تكون أمة. فالأمة، عنده، شيء موجود بالفعل: فالإنسان يكون عربيًا أو غير عربي، شاء أم أبى. وهو ينتقد تحديد رينان الشهير للأمة القائل: «الأمة هي الاشتراك في الأمجاد في الماضي وإرادة واحدة في الحاضر وإتيان الأعمال العظام معًا والعزم على الإتيان بالمزيد منها» (115). إذ أن الأمة تقوم على أساس موضوعي، وهذا الأساس هو، في نهاية الأمر وقبل كل شيء آخر، اللغة. والأمة العربية هي مجموع من كانت لغتهم الأصلية اللغة العربية، لا أكثر ولا أقل (116). (قد يبدو غريبًا أن يتبني الحصري هذه النظرة، فيناقض بذلك اختباره الشخصي. فلغته الأصلية كانت اللغة التركية، وهو لم يصمم على التضلع من اللغة العربية إلا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، إذ كان عليه أن يقرر أن يكون إما عربيًا، أو تركيًا. لا شك أن بإمكانه أن يرد على هذا بالقول إن ما جعله عربيًا لم يكن اختياره أن يكون عربيًا لا تركيًا، بل تصميمه، بعد أن قام بهذا الاختيار، على اقتباس اللغة العربية وجعلها اللغة الأولى لفكره ولحياته، وإن الحاجة إلى القيام بذلك لدليل على الأهمية البالغة للغة في حياة الأمة). ويلي اللغة في الأهمية التاريخ. فالتاريخ المشترك أمر مهم، لكنه ثانوي، إذ من شأنه أن يقوي الرابطة