في المفاوضات النهائية قبل الاحتلال الفرنسي لدمشق وزوال مملكة فيصل. وقد كتب كتابًا مهمًا عن ذكريات هذه الحقبة. ثم رافق فيصل بعد سقوطه إلى العراق، حيث اعتلى من جديد بعض المناصب في وزارة التربية، فكان له تأثير كبير في تكوين وعي عربي في العراق. وبعد إخفاق انقلاب رشيد علي، نفي من البلاد. وفيما كان في بيروت، ثم في الجامعة العربية في القاهرة، وضع سلسلة من الأبحاث دارت خصوصًا حول النظرية القومية والدفاع عن القومية العربية. هذه الأبحاث تمت بصلة وثيقة إلى أدب الأربعينيات والخمسينيات. ذلك أن حياته العملية النشيطة لم تترك له متسعًا من الوقت للتأليف المنظم. ولعل انتقاله من لغة إلى لغة قد أخر في تبلور أفكاره النهائي. إلا أن هذه الأفكار تنتمي جوهريًا إلى عهد سابق، ويمكن النظر إليها كالتعبير النهائي لتلك الفكرة القومية التي برزت خلال الأعوام اللاحقة لعام 1908 والتي سيطرت على الحياة السياسية في سوريا والعراق حتى 1945.

نجد في كتاباته نظرية «نقية» للقومية، أدركت جميع افتراضاتها وقبلت بها وجابهت كل قضاياها- نظرية استمدها، خلافًا لسواه من الكتاب، لا من الفكر الإنكليزي والفرنسي فحسب، بل من جذورها في الفلسفة الألمانية أيضًا. لقد قرأ «فيخته» كما لم يفعل، حسب علمنا، أي قومي عربي آخر، فالمجتمعات السياسية تنشأ، في نظره، عن ثلاث عواطف: عاطفة القومية، وعاطفة القومية الإقليمية، وعاطفة الولاء للدولة. لكن أهمها الأولى، إذ هي التي لعبت، منذ بدء القرن التاسع عشر، دورًا فعالًا في خلق الوطنية وإنشاء الدول. فالوطن، بالنسبة إلى الإنسان الحديث، هو الأرض التي يعيش فيها أبناؤه. وحق الدولة في ولاء المواطن لها قائم على كونها تجسد إرادة الأمة (113). وقد يكون موضوع العواطف الثلاث واحدًا: فقد يعيش جميع أبناء الأمة الواحدة في «الوطن» الواحد، ولا يقطن فيه سواهم، فيكون الوطن بكامله، لا أكثر ولا أقل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015