الدول المنتدبة (مع الاحتفاظ بوضع خاص للبنان ضمن هذه الوحدة)؛ وثانيًا، أن يتحد «الهلال الخصيب» ويكون فيه العراق «قطب الجاذبية الذي حوله تتبلور، لتنتظم وتفعل، آمال الوحدة العربية» (110)؛ وأخيرًا يمكن لشبه الجزيرة أن تنضم إلى هذه الوحدة. لكن عليها، في الوقت الحاضر، أن تبقى منفصلة عنه، نظرًا للفرق بين تطورها الاجتماعي والسياسي وتطور بلدان الشمال الأكثر تقدمًا منها. أما مصر فهي، بالرغم من عناصر قرابتها العديدة، ذات شعور قومي خاص. وأما بلدان أفريقيا الشمالية الفرنسية، فلا تزال في عهد ما قبل القومية، إذ لم يحل التضامن الاجتماعي فيها بعد محل التضامن الديني، ولم تزل القوة الوحيدة فيها القادرة على تحريك الجماهير في الإسلام لا العروبة (111).
لا بد لأبناء الأقلية الذين يتبنون قضية الأكثرية من أن يدفعوا ثمن هذا التبني. والثمن إنما هو نوع من التردد بين طرف وطرف معاكس، بين قبولهم التام بتلك الأمور التي تمنعهم من أن يكونوا هم أنفسهم مقبولين قبولًا تامًا، وبين تذكرهم لهذه الأمور. لقد ظل شيء من الالتباس عالقًا بنظرة العرب المسيحيين إلى الإسلام. وليس من قبيل العرض أن تأتي عقيدة القومية العربية الأشد وضوحًا ومنطقًا وتصلبًا على يد مسلم، لكنه مسلم يقف على هامش العملية التي كان يضعها وينظر إليها بذلك الوضوح المقلق الخاص بالإنسان الهامشي، نعني به ساطع الحصري. إنه من أصل سوري، وعلى صلة قربى بأسرة الأشراف في حلب، لكنه ربي في إسطنبول، فنشأ تركيًا أكثر منه عربيًا. تلقى في حداثته التربية المعهودة لدى جيل «تركيا الفتاة» تلك التي كانت تستند إلى أفكار الفلسفة الوضعية الفرنسية والقومية الأوروبية. وقد شغل مناصب رفيعة في وزارة التربية العثمانية، قبل أن يحمله انهيار الإمبراطورية، كما حمل الكثيرين سواه. إلى اختيار أحد جانبي ثقافته المنعقدة. فالتحق بالحكومة العربية بدمشق، وأصبح وزيرًا لفيصل في شؤون التربية الوطنية، ولعب دورًا مهمًا