وهناك عرض أكثر توسعًا وتفصيلا لهذه الفكرة ذاتها لدى ادمون رباط، وهو مسيحي كاثوليكي من حلب، لعب دورًا قياديًا في سياسة «الكتلة الوطنية»، وساعد في مفاوضات معاهدة 1936. فكتابه «الوحدة السورية والمصير العربي» هو محاولة لتحديد طبيعة الأمة وحدودها. ففيه يعلن أن ليس هناك أمة سورية، بل أمة عربية (106). ثم يحدد الأمة العربية استنادًا إلى عوامل مختلفة هي، أولًا، وحدة العرق والأصل. فالأمة العربية قد تكونت، حتى خارج حدود شبه الجزيرة، بفضل موجات متتابعة من الهجرة؛ وثانيًا، وحدة اللغة التي هي «العامل القومي الأكمل» (107)؛ وثالثًا، الدين. وهو ينظر إلى وظيفة الدين السياسية نظرة الفلاسفة الوضعيين ذاتها. فالدين يلعب دورًا كبيرًا في المرحلة الأولى من حياة الأمم، والتضامن الديني هو الذي يمهد للتضامن القومي، ويعبد الطريق للشراكة السياسية، ويوحد بين أتباعه في وجه الفاتح الأجنبي. أما الدين الذي قام بهذا الدور في التاريخ العربي، فهو، ولا ريب، الإسلام، الذي هو دين ذو فحوى قومي (108). وهكذا فإن الأمة الإسلامية ليست سوى الأمة العربية في مرحلة تكوينها الأولى.
أما حدود الأمة العربية فهي، في نظر رباط، ما كانت عليه في نظر الجيل السابق، أي البلدان الناطقة بالضاد في آسيا. وهي تشمل ثلاث وحدات جغرافية وبشرية: العراق، وشبه الجزيرة، ولا سيما سوريا بمعناها الأوسع. فسوريا هي وحدة، وإن لم تكن أمة قائمة بذاتها. ولبنان جزء منها، لكنه جزء متميز عنها إلى حد ما، إذ أنه عربي في شعوره كما هو في لغته. غير أن «مدنية عربية بطابع محلي» (109) أو شعور إقليمي قد نشأت فيه مع الزمن، على غرار ما نشأ في كل من الأقضية السورية الأخرى. وقد دام واستقر بفضل تراث قائم على الحرية الدينية والحكم الذاتي والسيطرة المسيحية والاتصال بالغرب. ولكي تتجسد القومية العربية يجب، أولًا، أن يكون هناك وحدة بين مختلف الأجزاء التي تجزأت إليها سوريا على يد