المسيحيين للتراث الإسلامي العربي. فأحدهما، قسطنطين زريق، وهو مسيحي أرثوذكسي من دمشق، وأستاذ في جامعة بيروت الأميركية، ومؤرخ مرموق للقرون الوسطى، ومرجع لجيل كامل من القوميين، قد نشر في 1939 كتابًا هو مجموعة من الأبحاث في «الوعي القومي»، انطلق فيها من تقدير وفهم جليين لوضع العرب الحالي. فهو يقول بأن مشكلتنا الأساسية اليوم هي أنه ليس لدينا عقيدة، ولا يمكننا، بدون عقيدة، أن نخضع رغباتنا وشهواتنا الفردية لمؤسسة قائمة على مبدأ. لذلك، فنحن لا نستطيع، كمجموع، العمل بنجاح. إن القومية هي العقيدة التي نفتقر إليها، إذ أنها تولد الشعور بالمسؤولية المشتركة والإرادة في خلق مجتمع والمحافظة عليه. لكن مجتمعنا العربي هو من نوع خاص. فهو يستمد وحيه ومبادئه من الدين، ديننا نحن، وهذا الدين لا يمكن أن يكون، بالنسبة إلى العرب، إلا الإسلام. قد يبدو مستغربًا صدور مثل هذا القول عن مسيحي، لكن غرابته تزول عندما يتابع زريق فيميز بين «الروح الدينية» و «العصبية الطائفية» (105). وهذا التمييز قائم على حقيقتين يسلم بهما زريق: الأولى أن جميع الأديان تنطوي على جوهر واحد للحقيقة هو في متناول جميع البشر، والثانية أن مبادئ الدين الخلقية هي المبادئ عينها التي لا بد منها لبناء مجتمع مستقر ومزدهر. نعم، إن «الرموز» التي تعبر بها هذه المبادئ عن نفسها تختلف بين دين وآخر، إلا أن لهذا الاختلاف أهمية حضارية لا فكرية. بهذا المعنى كانت العلاقة بين العرب والإسلام علاقة جوهرية. فمحمد هو منشئ الحضارة العربية، وموحد الشعب العربي، ورجل العقيدة الذي منه يستطيع هذا الشعب أن يستمد الإلهام. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن على العرب أن يستمدوا منه أكثر من هذا، أو أن يسترشدوا بالشريعة الإسلامية أو بمؤسسات الخلافة. ومما لا شك فيه أن على العرب أن يكونوا شعبًا حديثًا، وعليهم، بالتالي، أن يقتبسوا المؤسسات التي يتميز بها الغرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015