فعبد الرحمن البزاز، مثلًا، وهو أستاذ عراقي شاب، ينفي، في محاضرة له عن الإسلام والقومية العربية، أن يكون بينهما أي تناقض. ويقول إنه إذا ظهر أي تناقض، فإنما هو ناجم عن المفهوم الغربي للإسلام والقومية، وأن قبول العدد الكبير من العرب بهذا المفهوم لدليل على سيطرة الغرب الفكرية عليهم، بينما الواقع أن مضمون الإسلام هو مضمون القومية العربية بالذات، وأن هذا لا يصح إلا على العرب دون سواهم من الأمم الإسلامية الأخرى. كان من الممكن لرشيد رضا أن يوافق على هذا القول، لكن إلى هذا الحد فقط. وقد مررنا بتحليل مماثل في كتاباته. غير أن الفرق الجوهري بين الرجلين هو أن رشيد رضا لم يعرف الحضارة العربية إلا بمفاهيم الإسلام، بينما فعل البزاز نقيض ذلك. فالإسلام، في نظره، هو دين قومي. وهو، في حقيقته، الإسلام العربي الذي أفسدته الأمم الأخرى بخصائصها فيما بعد. وهذا الإسلام ليس إلا صورة مكبرة عما كان مطويًا من قبل في طبيعة العرب، وما مثله الخلقية العليا إلا مثل الخلقية العربية الطبيعية. وليس الشورى، وهي مثاله السياسي الأعلى، إلا ديمقراطية العرب الطبيعية ذاتها. ولم يكن انتشار الإسلام سوى الوسيلة التي بها قام العرب بمساهمتهم العظيمة في التاريخ.

ويقول البزاز أيضًا أن اللغة العربية هي «روح الأمة العربية». فالناطقون بالضاد هم العرب. لكن، لما كانت الحضارة الإسلامية هي ذاتها مضمون اللغة العربية، فبإمكان الناطقين بالضاد أن يجعلوا من الحضارة الإسلامية ومن الماضي الإسلامي كله حضارتهم وماضيهم. أما العرب المسيحيون، فهم أيضًا جزء من الأمة العربية، وبوسعهم أن يعتزوا اعتزازًا حميمًا بما فعلت في التاريخ أسوة بالعرب المسلمين أنفسهم. إن هذا الاستنتاج، الكامن ضمنًا في تحذير البزاز من الاستئثار الإسلامي، قد استنتجه تصريحًا، ولأسباب واضحة، كاتبان مسيحيان من أبناء الجيل ذاته، تجلت فيهما بوضوح عملية تبني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015