معاهدة الاستقلال التي لم تنفذ، غير أنه كان لهذه الكتل عيوبها في نظر الشباب. من ذلك أنها كانت في فحواها مخالفات واهية بين زعماء مستقلين انصرفوا، بالرغم من اهتمامهم المبدئي بالوحدة العربية، إلى القضايا المحلية. أضف إلى ذلك أن هدفهم لم يكن تحقيق الاستقلال التام، بل إحداث الضغط الكافي للتوصل إلى اتفاق مع الدول المسيطرة. وهم لم يقوموا بأي محاولة منظمة في سبيل التربية السياسية القومية، كما لم يكن لديهم فكرة واضحة عما يجب عمله بعد تحقيق الاستقلال. لكنه قام تدريجًا، إلى جانب هذه الكتل، أحزاب أخرى وجهت دعوتها، في الأخص، إلى أبناء الجيل اللاحق. كانت هذه الأحزاب ذات نظام إداري متدرج، وعضوية مشتركة بين جميع البلدان العربية، وعقيدة قومية وبرنامج للعمل. ففي العراق، نادى «حزب الأهالي»، المؤسس في 1931، بالديموقراطية البرلمانية، وبالحقوق الفردية، وبالإصلاح الاجتماعي الشامل، رافضًا نظرية حرب الطبقات ومشددًا على وحدة الأمة. وفي سوريا، دعا حزب «عصبة العمل القومي»، الذي باشر عمله في 1935، إلى برنامج مماثل نوعًا ما، نص على الاستقلال الوطني والوحدة العربية، والعلمانية، والإصلاح الاجتماعي. وقد لعب أمثال هذين الحزبين، في الثلاثينيات، دورًا معينًا في حياة سوريا والعراق السياسية. لكنها لم تكن أكثر فعالية من الأحزاب التي رغبت في الحلول محلها. بيد أن أهميتها ترجع، في الأخص، إلى كونها حاولت أن تعبر عن عقيدة قومية أشد ترابطًا وأقل تساهلًا من عقيدة الجيل السابق: عقيدة أدى فيها هذا التشديد، الذي لاحظناه في تفكير رشيد رضا، إلى نتيجة لم يكن هو ليقبل بها. لقد انتقل مركز الثقل، في هذه العقيدة، من الإسلام كشريعة إلهية، إلى الإسلام كحضارة. أو، بتعبير آخر، لقد استعيض عن النظر إلى القومية العربية كخطوة لا بد منها لإحياء الإسلام، بالنظر إلى الإسلام كخالق للأمة العربية ومستودع لثقافتها أو موضوع عزتها المشتركة.