الوصل بين هذه الحركات، من جهة، وبين التيار الرئيسي للشعور القومي العربي في الشرق، من جهة أخرى.

ظل القوميون يجلونه حتى وفاته، كرجل عقيدة سياسية وكأديب عربي كبير. إلا أن تأثيره ضعف في أعوامه الأخيرة. نعم، إن تأييده لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لم يولد الاستياء لدى العرب الذين كانوا قد فقدوا الأمل في التفاهم مع إنكلترا أو فرنسا، لكن دفاعه عن إيطاليا في الوقت الذي كانت تحاول فيه بناء إمبراطورية لها في أفريقيا أثار عليه الكثير من النقمة. هذا فضلًا عن أن عروبته كانت، في نظر الجيل الجديد، شبيهة برابطة الأفغاني الإسلامية. فلما عاد إلى سوريا في زيارة قصيرة بعد توقيع معاهدة 1936، أثارت خطبه كثيرًا من الانتقاد لتشديدها على الطابع الإسلامي للقومية العربية بأسلوب لم يعد دارجًا إذ ذاك، بل بدا غير مناسب. أضف إلى ذلك أن جيلًا جديدًا أخذ يحل محله ومحل أقرانه، كناطقين حقيقيين باسم الحركة. لقد ترعرع هذا الجيل، قبل حرب 1914 بقليل، في الجو القومي العلماني المسيطر على سياسة «تركيا الفتاة» وعلى المعاهد العثمانية العليا. كما كان منهم من بلغوا نضجهم بعد الحرب في المدارس الرسمية للدول العربية الجديدة وفي جامعة بيروت الأميركية، أو في المعاهد العليا في إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة.

وإذن، كان هنالك نوع جديد من القومية، أكثر تشعبًا وشمولًا من قومية الجيل السابق، آخذًا في النمو، في العشرينيات، لا بل في الثلاثينيات، من القرن العشرين، حتى لم تعد وسائل التنظيم والعمل القديمة ترضي القوميين الجدد، كالتحالفات الواهية والمتقلبة بين الزعماء المحليين، وكالمفاوضات الصبورة التي تتخللها التظاهرات العرضية أو المؤتمرات الكبيرة المنعقدة لإعادة تأكيد الأهداف. نعم، لقد كان النجاح نصيب بعض تلك الكتل، «كالكتلة الوطنية» في سوريا، بحيث توصلت في 1936 إلى عقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015