هدفه الأخير فبقي واحدًا، وهو خير الإسلام كما كان يفهمه. فقد برر الموقف الذي وقفه من الثورة العربية بالقول إن مصلحة العرب السياسية هي بالذات مصلحة الأمة بمجموعها، إذ أن من شأن الدولة العربية المستقلة أن تحيي لغة الإسلام وشريعته. فلو لم تكن المصلحتان واحدة، لكان آثر واجباته الدينية على واجباته القومية، إذ أن الواجبات الدينية تتعلق بالسعادة في الدارين على السواء (103). وهكذا يتبين أنه كان للإسلام، في تفكيره، أولوية على العروبة. وهي أولوية تقضي، ضرورة، أن تكون شرائع الإسلام الخلقية ملزمة للدولة القومية. فالأمة ليست، في نظره، مطلقًا بحد ذاته، بل عليها أن تعمل وفقًا لشريعة مستمدة من شيء يتعدى مصلحتها الخاصة وعلى أساسه تحاكم.
ظل لهذه الأفكار تأثيرها طالما بقي رشيد رضا على قيد الحياة. إذ كانت دعوته موجهة إلى أولئك الذين تربوا تربية إسلامية، أو ترعرعوا في عهد الإمبراطورية قبل 1908، فاحتفظوا بفكرة الدولة الإسلامية التي يوحدها الخضوع المشترك للشريعة الإلهية. وكان شكيب أرسلان، أقرب معاونيه إليه، يشاطره هذه الأفكار وينشرها طيلة حياته السياسية التي كانت أكثر نشاطًا من حياته. فقد كان شكيب أرسلان نائبًا في البرلمان العثماني من 1913 حتى 1918، وكان يؤيد «تركيا الفتاة» في أثناء الحرب، كما رأينا سابقًا. ثم أقام، من 1918 حتى وفاته في 1946، في سويسرا خصوصًا وفي بلدان غربية أخرى، يسمع جمعية الأمم صوت المطالب السورية، ويفاوض باسم سوريا أحيانًا فرنسا وغيرها من الدول الكبرى، ويصدر مجلة اسمها «الأمة العربية» كان لها بعض التأثير في ذلك الوقت. وكانت له صلات ودية ووثيقة مع حركات سياسية في شمالي أفريقيا، «كرابطة العلماء الجزائريين» و «نجمة شمالي أفريقيا» لمؤسسها مصلي حاج، و «الدستور» في تونس، والجماعات القومية الأولى في مراكش. كما كان بالواقع صلة