وقد خدعوا السوريين بوعود الاستقلال التام، بينما كانوا متفقين دومًا مع إنكلترا. وكانوا مستعدين، في الخفاء، لقبول الانتداب الفرنسي. كما أنهم خانوا عرب فلسطين، وتهجموا على حكام العرب إخوانهم. ثم إنهم أساؤوا حكم الحجاز، فتفشى فيه الفساد والوهن والطمع وعدم الاستناد إلى الشورى. وكانوا، ككل أشراف مكة تقريبًا، يجهلون شؤون الدين ويطمسون كل معرفة من شأنها أن تساعد على الإصلاح الروحي والدنيوي. ولم يكن حتى نسبهم نفسه شريفًا نصف ما عليه نسب إمام اليمن من الشرف. لهذه الأسباب جميعًا قاوم رضا مطالبة الحسين بالخلافة كما قاوم مطامحه الزمنية (100). لكنه لم يهضم الحسين حقه عندما كتب عنه بعد وفاته قائلًا: إن الملك العجوز كان عنيدًا وجاهلًا، لكنه كان ذكيًا، قوي الإرادة، نزيه النفس، محافظًا على الفرائض الدينية، أديب المجلس، حسن الحديث (101).
كان كرهه للهاشميين ولحكمهم في الحجاز ولسياستهم العربية العامة أحد العوامل التي حملته على تحبيذ استيلاء عبد العزيز بن سعود على الحجاز، فضلًا عن التجانس الإيجابي القائم بين تفكيره الديني وتفكير الوهابيين. لكنه لم يكن متصلبًا في آرائه السياسية. وكانت معتقداته السياسية، وبنوع خاص ما كان منها مختصًا بسوريا، أهم لديه من رأيه في هذا الزعيم السياسي أو ذاك. ففي أوائل الثلاثينيات، اشترك في المفاوضات الفرنسية العربية الرامية إلى توحيد العراق وسوريا تحت لواء فيصل، كخطوة أولى نحو الوحدة العربية. وقد أيد المشروع بالرغم من شكه في إمكانية تحقيقه، وبالرغم من ميله المعروف إلى ابن سعود. لكنه أصر على أن تعقد الدولة العربية، إذا ما ظهرت إلى الوجود، تحالفًا مع السعودية العربية، وأن تعترف بالوضع الراهن في الحجاز، بحيث لا تستخدم كقاعدة لاستيلاء الهاشميين مجددًا على المدن المقدسة (102).
لقد تغيرت أفكار رشيد رضا السياسية كثيرًا في حياته، لكن هذا التغير لم يكن إلا في درجة تشديده على هذه أو تلك من المسائل. أما