إلى أجانب بالمعنى الذي كان به الحكم البريطاني أجنبيًا، إذ أن الإسلام قاد أزال «عصبية» العرب العرقية. وها أن معظم العرب قبل أيدوا، بعد الثورة، النظام الجديد. فإذا كانت نظرتهم قد أخذت تتغير اليوم، فذلك راجع إلى الموقف الذي وقفه الأتراك منهم. فقد كان الأتراك دومًا يكنون نوعًا من البغض أو الاحتقار للعرب، وهم يضيفون الآن إلى ذلك سياسة ترمي إلى تحويل الإمبراطورية إلى دولة تركية. وذلك، مثلًا، بصرف عدد من الموظفين العرب من مناصبهم، وبإهمال تدريس اللغة العربية في المدارس الرسمية. إن هذه السياسة لا يمكن أن تنجح، لأنه يستحيل تحويل عنصر عرقي إلى عنصر عرقي آخر بالقوة، ولأنه لا بد للعصبية التركية من أن تثير العصبية العربية، مما يؤدي إلى هدم الإمبراطورية -إذ أن الولايات العربية فيها تشكل الجزء الأكبر والأغنى- ولأن الشعوب العربية على ذكاء وقوة عسكرية كامنة، ولأن لغتهم هي لغة النظام الشرعي ولغة الدين الرسمية أيضًا. إلا أنه لا يزال من الممكن استعادة العلاقات الطيبة، وذلك بتغيير روح التربية، وبتطبيق الدستور تطبيقًا صحيحًا يعطي لكل فئة من السكان ما لها، فيخلق بذلك تضامنًا قوميًا أوسع من تضامن العرق أو اللغة، تضامنًا يقوم على المصلحة المشتركة والرضوخ للشريعة، وعلى المساواة بين أبناء الفئات العرقية المختلفة (90).
وهكذا سعى رشيد رضا مع العرب العثمانيين إلى الحصول على الاعتراف بمركز أمتهم ضمن الجامعة العثمانية. فاشترك في تأسيس «حزب اللامركزية» في القاهرة، كما باشر بتأسيس جمعية شبه سرية تشترط على أعضائها تأدية قسم الولاء لها، اسمها «جمعية الجامعة العربية» (91). وأخذت القضية العربية، منذ ذلك الحين، تحتل على صفحات «المنار» أهمية لم تكن لها من قبل. وكان رشيد رضا، حتى في ذلك الوقت، متنبهًا إلى خطر الهجرة الصهيونية على عرب فلسطين، وكان ينتقد التسهيلات التي ظن أن حكومة