كانت عقيدة رشيد رضا منذ البدء تنطوي على الشعور العربي، إلا أن هذا الشعور لم يدفع به إلى حمل لواء الدعوة إلى الاستقلال القومي العربي إلا تدريجًا، وبتأثير من الظروف السياسية. فقبل 1908 وبالرغم من كونه، كمحمد عبده، من أنصار السلطنة المخلصين وللاعتبارات ذاتها، عارض علنًا السلطان عبد الحميد الثاني لسببين: استبداده الشخصي، من جهة، وتشجيعه، من جهة أخرى، لما كان رشيد رضا يرى فيه نوعًا ضالًا من الإسلام. (وهذا ما أثار عليه ضغينة أبو الهدى الذي أساءه انتقاده للطرق الصوفية وتمجيده للأفغاني، والذي، على ذمة رشيد رضا نفسه على الأقل، حاول إخراجه من مصر، ومنع «المنار» من الدخول إلى سوريا، وعرض عليه ألقابًا ومناصب إذا ما هو تراجع عن موقفه هذا). وقد أسس جمعية سياسية اسمها «جمعية الشورى العثمانية»، وقفت نفسها على العمل في سبيل اتحاد جميع العثمانيين وإحلال الحكم الاستشاري محل الحكم الاستبدادي. وانتقد أيضًا «لجنة الاتحاد والترقي» لأنها كانت، في نظره، بالفعل إن لم يكن بالاسم، إسلامية صرف (87). كان، بادئ الأمر، كبير الأمل في ثورة 1908. لكن معارضته لسياسة الحكومة الجديدة تجاه العرب اشتدت فيما بعد، وربما نجم ذلك عن الصدمة الشخصية التي أصابته يوم أخفق في الحصول على تأييد الحكومة لمشروعه القاضي بإنشاء معهد ديني للمرسلين المسلمين. وإذ كان في إسطنبول عام 1909، نشر سلسلة مهمة من المقالات عن «العرب والأتراك» (88)، بذل فيها جهدًا كبيرًا للتدليل على ولاء العرب للدولة العثمانية. ومما قاله فيها إن المستعمرين يحاولون تشجيع الانفصالية العربية لتحويل القوات العثمانية عن مقدونيا والأناضول، وبالتالي لإضعاف مركزها هناك. إلا أنهم باءوا بالفشل، إذ لم يناد أي عربي بالاستقلال، حتى على عهد عبد الحميد الأسوأ، باستثناء بعض المسيحيين (89)، كما لم تظهر على العرب، إلا مؤخرًا، دلائل البغض لحكامهم الأتراك. فهم لم ينظروا إليهم، بالحقيقة، نظرتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015