أو من المستشرقين كرينان مثلًا. وكان رشيد رضا ورفاقه ينتقلون أحيانًا من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم. فيؤكدون أن غير العرب هم الذين أفسدوا حقيقة الخلافة والأمة، إذ دسوا في الإسلام تعاليم غريبة عنه حول الحقيقة الخفية والإمام المعصوم، وأفرطوا في مدح الخلفاء كثيرًا، ومحوا الفكرة الصحيحة عن الحكم بالشورى. وبينما قيد مجيء الإسلام عصبية العرب، استمرت عصبية الأتراك والفرس بدون ضابط حتى آلت إلى خراب الإسلام آخر الأمر (83).
وبتعبير آخر، إن عصبية الشعوب الإسلامية الأخرى تتعارض مع مصالح الأمة، بخلاف العصبية العربية. وقد تبسط رشيد رضا في شرح هذه الفكرة عندما ناقش الاعتقاد التقليدي القائل بوجوب انتساب الخليفة إلى سلالة قريش. لقد بدا هذا الشرط منافيًا لعالمية الإسلام، ولهذا لم يجمع عليه الفقهاء. أما رشيد رضا، فكان، على العكس، يراه ضروريًا، إذ لا بد لأي حاكم أو أسرة حاكمة من أن يكون على اعتزاز بأهله واهتمام بمصلحتهم. والواقع أن ليس هناك ما ينسجم دومًا، وبالضرورة، مع عزة الإسلام ومصلحته إلا اعتزاز قريش ومصلحتها. فقريش عشيرة النبي، ومجدهم مرتبط بمجد الإسلام، وفيهم وحدهم دون سواهم تتداعم الحمية الدينية والحمية النسبية (84). وقد ادعى رشيد رضا أنه هو نفسه ينتمي إلى هذا الفرع وأكد، بفخر، الاتحاد الأبدي بين الإسلام والعروبة قائلًا: «إنني عربي مسلم ومسلم عربي. فأنا قرشي علوي، من ذرية محمد النبي العربي، الذي ينتهي نسبه الشريف إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. وملته الحنيفية هي ملة جده إبراهيم، أساسها التوحيد الخالص وإسلام الوجه لله تعالى وحده ... فإسلامي مقارن في التاريخ لعروبتي ... قلت إنني عربي مسلم، فأنا أخ في الدين لألوف الألوف من المسلمين من العرب وغير العرب، وأخ في الجنس لألوف الألوف من العرب المسلمين وغير المسلمين» (85).