الإسلامية الحق. لقد عارض جميع المحاولات الرامية إلى إنشاء دول في العالم الإسلامي تقوم على تضامن غير التضامن الديني، كالدول القومية التي تكون فيها الأمة هي موضوع الولاء الأخير، ويكون الشعور القومي هو القوة الموحدة، وتكون المصلحة القومية هي المقياس الأعلى للسياسة والتشريع. فقد بدا له هذا النوع الرفيع من القومية شكلًا جديدًا فقط من أشكال التضامن القبلي الطبيعي الصرف المعروف قبل الإسلام، وظهرت له مبادئه، مبادئ الولاء والشرف، كأنها المبادئ الخاصة بعهود الجاهلية، لا المبادئ التي قامت عليها الشريعة (76). لذلك خالف ابن خلدون في اعتقاده أن العصبية الطبيعية هي أساس الدولة، وأنها الدافع إلى كل عمل اجتماعي، وأن الولاء الديني والشريعة لا يفعلان فعلهما إلا بعد أن تكون العصبية قد فعلت فعلها. وقد استند إلى تاريخ الإسلام في إثباته بطلان هذا الرأي. فقال إن أفعال النبي لم تستهدف تعزيز مركزه الاجتماعي أو دعم سلطة قبيلته، ونجاحه لم ينجم عن قوة العصبية التي كانت تحت تصرفه، والتي سخرها، بالعكس، لمقتضيات الإسلام. وما انهيار الدولة الإسلامية إلا نتيجة ظهور هذه العصبية من جديد. إن الإرادة في السيطرة العمياء هي ما دفع بالحكام إلى فرض سلطتهم الشخصية على الأمة، فأفسدوا كيانها السياسي يجعلهم الطاعة لهم واجبًا دينيًا مطلقًا (78).
قد يبدو أن هنالك تناقضًا بين نظرة رشيد رضا هذه والقول بأن عنصر الشعور القومي كان قويًا في كتاباته، كما كان أقوى في كتابات صديقه شكيب أرسلان. فهما، عندما يتحدثان عن قضية الإسلام، يفكران أولًا بالإسلام العربي، وينظران إلى المسلمين الآخرين «كتلامذة للعرب»، على حد تعبير أرسلان نفسه (79). لكن هذا التناقض ليس إلا تناقضًا في الظاهر. إذ كانا يعتقدان أن بالإمكان، نظرًا لمكانة العرب الخاصة في الأمة الإسلامية، التوفيق بين القومية العربية والوحدة الإسلامية توفيقًا يستحيل في غيرها من القوميات. لا بل كانا يذهبان