أساس شعور العرب بوحدتهم. فنوري السعيد يرد القومية العربية، مثلًا، في «كتابه الأزرق»، إلى الشعور بالأخوة الإسلامية التي أوصى بها محمد في آخر خطبة عامة له، ويقول فيها إنها «الطموح إلى بعث مدنية الخلفاء الأولين العظيمة السمحاء» (74). وكان هناك من طرح القضية على مستوى أعمق، فاعتبر أن للإسلام تلك الأهمية البالغة، لا لمجرد كونه ينبوع اعتزاز وإلهام، بل لأنه أتى بشريعة خلقية من شأنها توجيه حياة الأمم. إذ أنه لا يجوز للمجتمع أن يكون شريعة لذاته، بل ينبغي له مبدأ منظم يهيمن عليه. وعن هذا أعلن شقيق الملك فيصل، الأمير عبد الله، أمير شرقي الأردن، وفيما بعد ملك الأردن، في دراسة عن القومية العربية أضافها إلى «مذكراته»، إذ قال: إن أول مبدأ لحياة العرب السياسية إنما هو الرضوخ للقرآن والسنة. وطالما سلم السلاطين العثمانيون بهذا المبدأ، كان العرب راضين بحكمهم وإن كانوا غير عرب. لكنهم إذ تخلوا، في القرن التاسع عشر، عن مبادئ الإسلام واقتبسوا نظام حكم غربي لا يفقهونه، انحل رباط الولاء العربي، وأخذ العرب يفكرون بحكم عربي يكون وفيًا للإسلام من جديد (75).

وعلى هذا النمط أيضًا أحاط شيء من الالتباس بموقف القوميين من أوروبا، وخاصة من إنكلترا وفرنسا اللتين كانتا أوروبا كما عرفوها آنذاك. فكثيرون من الذين قد أيدوا الاتفاق مع إنكلترا وإعلان الثورة ضد الحكومة العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، وجدوا التسوية السلمية مخالفة للتعهدات التي كانت قد قطعت لهم. ولم يكن بينهم سوى قلائل يقرون لورانس على قوله بأن بريطانيا قد خرجت من مغامرتها العربية «نظيفة الكف». إلا أن السرعة التي منح بها العراق استقلاله خفف من شعور العراقيين بأنهم خدعوا، بينما قوى هذا الشعور في سوريا إحجام فرنسا المستمر عن التخلي عن سلطتها، فضلًا عن نمو الوطن القومي اليهودي في فلسطين. إن ما جعل عرب سوريا والعراق المسلمين يحسون بهول صدمة إخضاعهم للنير الأجنبي، هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015