وكان من المفهوم، ضمنًا، أن كل دولة عربية ستستخدم، حينما تتحرر وتستقل، حريتها هذه واستقلالها في مساعدة الدول التي لا تزال في مرحلة النضال، وفي توثيق علاقاتها بالدول التي تكون قد تحررت ونالت استقلالها. هذه هي النظرة التي على أساسها تدخلت الحكومات العربية في الحرب السعودية اليمنية في 1934، إذ اعتبرتها حربًا أخوية، وفي الثورة الفلسطينية فيما بعد. وعلى أساسها أيضًا عقدت معاهدة الأخوة العربية بين العراق والسعودية في 1936، «نظرًا للروابط الإسلامية والوحدة القومية التي توحد بينهما». وقد كان مفهوم الوحدة لا يزال مفهوم الفترة الممتدة بين 1908 و 1922، أي اعتبار الأمة العربية لا تشمل مصر وبلدان شمالي أفريقيا، كما كانت كلمة «عرب» تطلق فقط على سكان آسيا الناطقين بالضاد، أي سكان سوريا والعراق وشبه الجزيرة، وبنوع أخص سكان سوريا والعراق الذين كانوا أرقى ثقافيًا من سكان شبه الجزيرة، وبالتالي أكثر استعدادًا لتحقيق كيانهم السياسي واستقلالهم القومي. لذلك كانت قضية الوحدة تثار على مستويات ثلاثة: إعادة توحيد دول سوريا الجغرافية، ثم إقامة اتحاد بين سوريا والعراق، وأخيرًا إنشاء ترابط مرن مع دول عربية أخرى. هذا ما انطوى عليه برنامج المؤتمر السوري في 1920، وما دعا إليه مجددًا، بعد جيل، أحد معاوني فيصل الأقربين. فقد اقترح نوري السعيد، في «الكتاب الأزرق» عام 1943، توحيد سوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن في دولة واحدة، على أن يعطي اليهود في فلسطين مقدارًا من الحكم الذاتي، وأن يمنح الموارنة في لبنان، إذا طلبوا ذلك، نظامًا خاصًا، كما اقترح إنشاء جامعة عربية ينضم إليها، فورًا، العراق وسوريا الموحدة، ثم من يرغب في ذلك من الدول العربية الأخرى، ويرأسها أحد الحكام العرب بطريقة تتفق عليها الدول الأعضاء (71).
ومع أن سوريا كانت لا تزال مركز الشعور القومي العربي ومع أن فكرة الأمة العربية قد برزت فيها أولًا، فقد كان