الحكومة البريطانية رسميًا، في السنة نفسها، بمصلحة البلدان العربية الأخرى في قضية فلسطين وبوجود شيء اسمه العالم العربي، وذلك بدعوتها عددًا من الحكومات العربية إلى إرسال مندوبين عنها إلى مؤتمر الطاولة المستديرة المقرر عقده في لندن.
في تلك المحاولات لتأمين الحكم الذاتي وللإبقاء على فكرة الوحدة العربية حية، بقيت الزعامة في أيدي فئة قليلة، كان معظم أفرادها من الضباط والموظفين العثمانيين السابقين الذين كانت نظرتهم السياسية قد تقولبت بقوالب حكم «تركيا الفتاة» والجمعيات السرية والثورة العربية. وكان لهم، سوريين كانوا أم عراقيين، تفكير مشترك ومجموعة من الأفكار شكلت ما يمكن اعتباره العقيدة السياسية للسنوات الفاصلة بين الحربين. كانوا كلهم، أولًا، يؤمنون ضمنًا بوجود أمة عربية. فقد تسنى لهم، في المدارس، وفي الثكنات، وفي البرلمان العثماني، وفي النفي في القاهرة، وفي صفوف القوات الشريفية، أن يتعرفوا بعضهم إلى بعض، وأن يشعروا بسهولة التخاطب الناتجة عن الاشتراك في اللغة وفي التربية. أضف إلى ذاك أن فكرة الأمة العربية أخذت تنتشر بتأثير الحرب وانتشار التربية، مما دعم موقفهم دعمًا أقوى من قبل، كما أن التقسيمات السياسية أخذت تشوش حقيقة هذه الأمة، مما جعل دفاعهم عن الفكرة أشد إلحاحًا من ما مضى.
لقد كان الكيان العربي أمرًا مسلمًا به في عهد الإمبراطورية العثمانية الأخير، كما كان ينظر إلى مختلف الولايات العربية كوحدة كاملة. إلا أن التقسيم الناجم عن اتفاقيات ما بعد الحرب جاء يضع فكرة الأمة العربية موضع التساؤل ويهددها بمنافسة فكرة الأمة السورية والأمة اللبنانية والأمة العراقية لها، وذلك بتشجيع من السلطة المنتدبة أحيانًا. لذلك جعل الزعماء العرب همهم التشديد على وجود الأمة العربية، مع الإلحاح على وحدتها، مبررين النضال في سبيل الحكم الذاتي، لكل دولة بمفردها، على أنه الخطوة الأولى نحو الوحدة.