إقامة أنظمة إدارية وتشريعية وتربوية متباينة فحسب، وإنما إلى تجزئة الحركة العربية أيضًا، وذلك بإلقاء مهمات مباشرة على عاتقها، تختلف الواحدة عن الأخرى بحسب المناطق. وقد تجلى ذلك في الكتابات، وفي تأسيس أحزاب سريعة الزوال، وفي تبادل المساعدة والعطف بين البلدان العربية في صراعها مع الأجنبي، وفوق كل ذلك في المؤتمرات الدورية التي كانت تجمع معًا رجالًا من مختلف البلدان العربية وتنتهي باتخاذ مقررات عامة: فبعد المؤتمر السوري في 1920، عقد مؤتمر الخلافة في مكة في 1926، ثم مؤتمر القدس في 1931، وأخيرًا مؤتمر بلودان في 1937. ولعل مؤتمر بلودان هذا كان أهم تلك المؤتمرات، إذ رأسه عراقي وكان بين نواب رئيسه عضو من مجلس الشيوخ المصري ومطران حماه الأرثوذكسي، فأكد بذلك على فكرة الوحدة العربية وألح على طابع التضامن الديني في مفهوم القومية العربية (69).
وكان الهدف الثالث، وهو غير منفصل عن الثاني، إثارة التأييد لعرب فلسطين في مقاومتهم للهجرة اليهودية وشراء الأراضي، وفي مطالبتهم بحكومة موحدة تكون أكثريتها عربية. كانت أهمية هذا الهدف قد برزت في مؤتمر القدس، لكنها أخذت تزداد بازدياد الهجرة اليهودية بعد 1933. فقد كان العرب، قبل ذلك، يشكون من سياسة إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، خوفًا من أن تمنع تلك السياسة فلسطين من أن تصبح جزءًا من دولة مستقلة سورية أو عربية. أما الآن، فأخذوا يخشون، فضلًا عن ذلك، أن يؤدي نمو الجالية اليهودية، آخر الأمر، إما إلى إخضاع عرب فلسطين وإما إلى طردهم من البلاد. فوقعت اضطرابات كبيرة في 1929. إلا أن أساليب الاحتجاج والتظاهر استبدلت في 1936 بالثورة المسلحة. فكان الغرض الرئيسي لمؤتمر بلودان تأكيد ارتباط مصلحة العرب العامة بما كان يجري في فلسطين. كذلك كان غرض المؤتمر البرلماني الإسلامي العربي الذي عقد في القاهرة في 1938 (70). وقد اعترفت