الانتداب البريطاني وفصل جغرافيًا عن سوريا. وقسمت سوريا إلى أربع دويلات: سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني. كما جزئت سوريا نفسها إلى عدد من المناطق المنفصلة إداريًا، بعضها عن البعض الآخر. ووضع الانتداب على عاتق الدولة المنتدية في فلسطين واجب تسهيل الهجرة اليهودية وإنشاء وطن قومي لليهود.

كان من الضروري عرض هذه الأحداث بتفصيل، إذ إنها وجهت نزعة القوميين العرب وأهدافهم طيلة العشرين سنة اللاحقة، إلى أن جاءت حرب جديدة، فغيرت المعطيات السياسية من جديد. فقد انصب الفكر والعمل القوميان العربيان، في البلدان التي نشطا فيها بقوة، أي في العراق وفي بلدان سوريا الجغرافية الأربعة، على ثلاثة أهداف رئيسية: الأول انتزاع مقدار أكبر من الحكم الذاتي من يد الدول المنتدبة، وذلك بإقامة التظاهرات، والقيام بثورات ظرفية، وبرفض التعاون، وبمناشدة وجدان إنكلترا وفرنسا الليبرالي أو أنانيتهما الواعية. ومع أن سوريا كانت أرقى المنطقتين، إلا أن كان العراق أول من حقق ذلك الهدف، بفضل سياسة بريطانيا التي آثرت المحافظة على نفوذها بواسطة حكم وطني يرأسه فيصل. فمنحت العراق، بالمعاهدة الإنكليزية العراقية، الاستقلال وعضوية عصبة الأمم، مقابل التحالف السياسي مع إنكلترا والإبقاء على قواعد جوية لها في البلاد. أما فرنسا، فكانت أقل ميلًا للدخول في مثل هذه الاتفاقيات، فتمنعت عن إبرام ما كانت عقدته آخر الأمر من معاهدات مع سوريا ولبنان في 1936، بحيث لم تجل الجيوش الفرنسية عن الأراضي السورية واللبنانية إلا بعد نهاية الحرب. وكان الهدف الثاني محاولة الإبقاء على فكرة الوحدة العربية حية في النفوس، تلك الوحدة التي كانت قائمة نوعًا ما في عهد العثمانيين، والتي جاءت تهددها اليوم التقسيمات السياسية الجديدة. فقد كان من شأن هذه التقسيمات أن تؤدي، لا إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015