بريطانيا له بتفاهمه مع الفرنسيين واليهود. لكنه كان واقعًا بين عوامل أقوى منه. فقد كان على شبه اليقين بأن أتباعه في سوريا سيعارضون أي اتفاق قد يرغب في عقده مع فرنسا، كما ربما كان مبالغًا في مقدار الدعم المنتظر من بريطانيا. وفي 1920، عقد الزعماء السوريون والفلسطينيون مؤتمرًا في دمشق أعلنوا فيه فيصلًا ملكًا على سوريا ووضعوا بيانًا بمبادئ جاءت، من جهة، كآخر تعبير عن أفكار دعاة اللامركزية العثمانيين، ومن جهة أخرى، كمنهاج للقوميين العرب ساروا عليه طيلة الخمس والعشرين سنة اللاحقة. وقد طالب المؤتمر، بعد التأكيد بأنه يمثل المسلمين والمسيحيين واليهود، باستقلال تام لسوريا في حدودها الطبيعية، من جبال طوروس إلى صحراء سينا ومن البحر حتى الفرات، على أن تكون حكومتها ديمقراطية مدنية ملكية دستورية ولامركزية، مع ضمانات لصيانة حقوق الأقليات؛ ورفض فكرة الانتداب الأجنبي، التي كان مؤتمر الصلح في باريس قد أقرها مبدئيًا. لكنه أوضح بأنه، إذا أكره على قبول الانتداب، فسيعتبره نوعًا من أنواع المساعدة الاقتصادية والفنية التي لا تنقص من الاستقلال التام، كما رفض أيضًا وعد بلفور والهجرة اليهودية وإنشاء دومينيون يهودي وفصل لبنان أو فلسطين عن سوريا، وأكد أخيرًا استقلال العراق، على أن لا يكون بينه وبين سوريا فواصل اقتصادية (68). غير أن بريطانيا وفرنسا رفضتا هذه القرارات. وبعد بضعة أسابيع، وعلى أثر تأزم الحالة، احتل الفرنسيون دمشق وأزالوا حكم فيصل. وهكذا تقرر خلال السنتين اللاحقتين مصير البلدان العربية على أوجه بعيدة كل البعد عما كان العرب يرتقبونه: فقد أبقى على الحجاز مستقلًا، ووضعت البلدان العربية الأكثر تقدمًا، كسوريا والعراق، تحت الانتداب الذي منح الدولة المنتدبة الرقابة الإدارية، لكن مع الالتزام بإعداد البلاد للاستقلال يومًا ما. وعلى هذا دخل العراق تحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015