رأوا وراء الشريف سياسة بريطانيا العظمى وأطماعها. لذلك نادوا باستقلال لبنان التام، تحت الحماية الفرنسية، على أن توسع حدوده وتكون بيروت عاصمته. إلا أنهم لم يتفقوا على نوع الحماية الفرنسية المطلوبة ومقدارها. كذلك قام دعاة «القومية السورية»، ومعظمهم من المسيحيين، يقاومون بشدة أكثر من قبل الفكرة العربية. وكان عددهم صغيرًا، إلا أنه كان لهم تأثير مستمد من دعم الكاي دورسه. فأعلنوا أن السوريين ليسوا عربًا، لا بل ليس هناك من أمة عربية، وكل ما في الأمر أن هناك قومية عربية مزعومة خلقها الأمير فيصل والعملاء الإنكليز- الهنود» (66). وقد أوضح جورج سمنه، الناطق باسم هذا الفريق، في كتاب مشبع بالمعرفة والفكر، خطة إنشاء جمهورية سورية، علمانية، ديموقراطية، اتحادية، تحت حماية فرنسا. ومع أن عدد هؤلاء كان صغيرًا، فقد كان لهم تأثير مستمد من دعم الكاي دورسه لهم (67).

لم تكن هذه الانقسامات حادة، طالما كانت الحرب مستمرة. فقد انخرط كثيرون من المسيحيين اللبنانيين في الجيش الفرنسي. وثار شريف مكة، بالاشتراك مع الجمعيات السرية القومية العربية، على الحكومة العثمانية، إثر تلقيه تأكيدات من البريطانيين لا تخلو من الالتباس، فأعلن استقلال الحجاز، وشكل «جيشًا عربيًا» اشترك في حملة الحلفاء التي أسفرت عن احتلال سوريا. وبعد انتهاء الحرب، بدا لفترة من الزمن أن القوميين اللبنانيين والقوميين العرب سيحققون فحوى ما كانوا يبتغونه. فقد أقام البريطانيون إدارة عسكرية في فلسطين، كما أقام الفرنسيون إدارة أخرى في لبنان وعلى طول الساحل شمالًا. وكانت فرنسا قد ارتبطت ارتباطًا واضحًا بتأييد فكرة لبنان المسيحي المستقل، وذلك تمشيًا مع سياستها التقليدية. أما في الداخل، فقد قام حكم عربي معترف به ومدعوم ماليًا من بريطانيا، رأسه الأمير فيصل، أحد أبناء الشريف حسين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015