قبل أن يصبح زعيم مصر الشعبي. «فقد قامت حجة زغلول على القول بأنه لم يكن للبلدان العربية في ذلك الحين كيان سياسي أو سيادة يخشى على زوالهما، فلم يكن إذن هناك دولة عربية مستقلة مهددة في صميم وجودها كما كانت تركيا. لذلك لم يكن من خوف عليها إن هي غامرت» (65).
لكن بعضهم على الأقل كانوا يعالجون القضية على ضوء المصلحة، بل على ضوء الضمير أيضًا. فقد كان السلطان على الأقل، وإن لم يقبلوا بادعائه الخلافة، سلطانًا كرست أربعة قرون حكمه الزمني، ناهيك بأنه كان آخر حاكم مستقل كبير للإسلام السني، والرمز السياسي لوحدة الأمة. فإذا ما ثاروا عليه، فإنهم لا يثورون على سيدهم الشرعي فحسب، بل يقضون على وحدة الأمة، وهي في أشد الحاجة إلى هذه الوحدة. أضف إلى ذلك أنهم بعملهم هذا قد يخدمون مصلحة الأعداء. لكن المسيحيين وبعض المسلمين لم يكونوا في مثل هذه الحيرة، إما لثقتهم ضمنًا بحسن نوايا دول أوروبا الليبرالية، وإما لرغبتهم في حماية إنكلترا أو فرنسا لهم لاعتبارات دينية أو لضرورتها من أجل بناء دولة حديثة.
لكن الانقسام الأكبر بين هذه الفئات كان حول الحدود وأنظمة الحكم، بعد تحقيق الاستقلال عن الأتراك. فقد كان العدد الأكبر من دعاة الثورة المسلمين يريدون دولة عربية برئاسة ملك عربي، لعله من سلالة أشراف مكة. لكن بينما كان البعض منهم يحلم بدولة عربية واحدة، يرأسها خليفة، أي ببعث الإمبراطورية العثمانية مع نقل مركز الثقل فيها من يد الأتراك إلى يد العرب، كان البعض الآخر يحتفظ بأفكار حزب اللامركزية، فيطالب بدولة سورية مستقلة ذات نظام اتحادي، على أن تكون علاقتها مطاطة مع عراق مستقل وحجاز مستقل. لكن العلاقة مع الحجاز وشريف مكة شحذت روح المقاومة لدى القوميين اللبنانيين، إما لأنهم تخوفوا من عودة السيادة الإسلامية، أو لأنهم