قبل آخر السنة (64). من الواضح أن الحرب ستفتح مجالات جديدة وستجعل من الضروري اتخاذ القرارات. إذ كان من الممكن أن تؤدي إلى انهيار الإمبراطورية أو منح الاستقلال أو فرض سيطرة جديدة. وكان هناك بالفعل فريق من القوميين ممن كانوا يتطلعون إلى هذه أو تلك من الدول الأوروبية من أجل مساعدتهم على تحسين وضعهم، لا بل كان بينهم من كانوا على اتصال بممثلي إنكلترا وفرنسا. فأي موقف يجب إذن اتخاذه من الحرب، وأي عمل يجب القيام به، وأي تحالف أجنبي يجب السعي وراءه؟ أثارت هذه الأسئلة جدلًا حاميًا، استمر طويلًا بعد انتهاء الحرب. فكان هناك من يؤيد بحماس يتراوح بين الحرارة والفتور «لجنة الاتحاد والترقي»: إذ أن الولاء القومي لم يكن بعد قد حل محل الولاء الديني لدى الكثيرين من المثقفين، وربما لدى معظم عامة المسلمين، فبقيت قوة الإسلام وسلطة الخليفة واستقلال الإمبراطورية أهم الاعتبارات لديهم. وكان غيرهم، على معارضتهم لسياسة «تركيا الفتاة»، يعتبرون بقاء السلطنة ضروريًا للعرب وللأمة بمجموعها على السواء، إذ كانوا يتوقعون، إذا ما انهارت، أن يخلفها في الحكم دولة أوروبية. لذلك كانوا يؤيدونها، مع الأمل بأن يصطلح نظام الحكم فيها بشكل يؤدي إلى قيام حكم ذاتي في الولايات أو إلى تحويلها إلى ملكية ثنائية. كما كان هناك أيضًا من كانوا يودون استغلال الحرب للحصول على استقلال للبنان أو لسوريا أو للعرب، وذلك بمساعدة أعداء الإمبراطورية. لكن هذا الفريق نفسه كانت تتنازعه عدة تيارات مختلفة. فكان منه من اعتمدوا على إنكلترا أو على فرنسا، بمن فيهم معظم المسلمين، مع أنهم كانوا في حيرة من أمرهم، إذ كانوا يعلمون أن لكل من إنكلترا وفرنسا مصالح خاصة بها، تختلف عن مصالح العرب. لكنهم، بالرغم من ذلك، رأوا أن الأمر يستحق المغامرة، لأن الربح، على كل حال، أكثر من الخسارة. وهذا ما كان ينصحهم به سعد زغلول، حتى