الثقافة، أي على «اللغة العربية وكنز التقاليد القديمة المشتركة وتراث ذكريات الشرق المجيدة» (61). لكنهما كانا يعترفان بأن مثل هذه الروح تحتاج إلى وقت طويل كي تستكمل نموها وتتحرر من الولاءات الدينية التي تجزئ البشر، وبأن على لبنان، ريثما يتم ذلك، وبعد توسيع حدوده، أن يحتفظ بكيانه كمثال على ما ستكون عليه جميع المناطق في المستقبل. لكنه، عندما يحين الوقت لإنشاء الدولة السورية القومية العلمانية، سيأخذ مركزه فيها كإحدى ولاياتها (62).

لم تكن الخطوط الفاصلة بين هذه النزعات المختلفة قد اتضحت بعد. فقد كان أنصار القومية السورية فخورين بثقافتهم العربية، وكانوا على اتصال «بحزب اللامركزية»، حتى أنهم اشتركوا في المؤتمر العربي المنعقد في 1913 (63). وكانوا، بالوقت نفسه، يدافعون عن استقلال «واقعي» للبنان. كذلك كان القائلون بالقومية العربية يكنون عاطفة خاصة نحو الشعب السوري، ويفكرون أولًا بسوريا وعاصمتها دمشق عندما يطالبون بالاستقلال العربي. أما دعاة لبنان المستقل، فكانوا يفكرون بالمسيحي والمسلم أكثر مما كانوا يفكرون بالعربي والتركي، وكانت رغبتهم في الاستقلال عن دمشق لا تقل عن رغبتهم في الاستقلال عن إسطنبول، إذ كانوا يعتبرون لبنان بلدًا متوسطيًا متصلًا بالمسيحية الغربية. لكنهم كانوا، مع ذلك، حريصين على استقلال كنائسهم الكاثوليكية الشرقية، وفخورين بلغتهم العربية وآدابها، ومدركين بأنه ليس بإمكانهم تجاهل ما وراءهم من بلدان سورية وعربية لها تأثيرها الاقتصادي والثقافي فيهم. والواقع أنه لم يكن هناك من حاجة، قبل 1914، إلى التمييز الحاد بين هذه النزعات. فمصلحة جميع هذه الفئات المشتركة كانت تقضي بتغير سياسة الحكومة، ولم تكن أي فئة منها تبدو قريبة من تحقيق الاستقلال في أي شكل من أشكاله. لكن الحال تغيرت بعد أن اندلعت نيران الحرب، في آب 1914، ودخلت تركيا فيها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015