السؤال. غير أننا قد نستنتج من كلامه أنه كان يفكر بأحد أعضاء الأسرة المصرية الحاكمة كسلطان وبشريف مكة كخليفة. وهكذا تظهر لنا، ههنا مرة أخرى، معالم ذلك «الإنجيل» الذي شاهد بكتهول مبعوثي الخديوي يبشرون به في فلسطين.

بقيت الفوارق بين مختلف النزعات المناهضة لعبد الحميد مستترة، ما بقي عبد الحميد السيد المطلق. وذلك لسببين: الأول استحالة الكتابة والتنظيم والعمل بحرية؛ والثاني المصلحة المشتركة في تغيير نظام الحكم. لكن الأمور أخذت تتغير ابتداءً من 1906. فقد قام نفر من ضباط الجيش بتأسيس جمعية ثورية سرية، اتصلت فيما بعد بالمنفيين في باريس، عرفت بـ «لجنة الاتحاد والترقي». كانت هذه الجمعية على أقواها في جيش مقدونيا؛ وكان مركز عملها في سالونيك، حيث اندلعت فجأة، في 1908، ثورة انتشرت بسرعة، وأكرهت السلطان على إعادة الدستور المعلق منذ ثلاثين سنة. ثم جاءت حكومة جديدة لإجراء انتخابات لعضوية البرلمان. وهكذا تغيرت القضايا السياسية، وازدادت إمكانات العمل السياسي، وصدرت الجرائد بحرية. فظهرت، بين 1908 و 1914، حوالي 60 جريدة في بيروت (معظمها لم يعمر طويلًا)، وحوالي 40 جريدة في بغداد. ونوقشت المسائل بحرية في البرلمان، كما نشأت أحزاب سياسية عديدة. وحدث ما قد يكون أهم من كل ذلك: فقد أخذ أبناء ولايات مختلفة يتلاقون ويتعاونون في العمل. وهكذا بدأ معظم نواب الولايات العربية، ولم يكن أكثر منهم عددًا سوى النواب الأتراك، يعملون معًا منذ دورة البرلمان الأولى.

لكن تحالف المصالح الذي أفضت إليه الحاجة إلى التخلص من استبداد عبد الحميد بدأ ينحل، كما كان متوقعًا، عندما تحقق الهدف المشترك بخلع السلطان في 1909. ذلك أن القضية الحقيقية كانت كامنة في الداخل، أي في التناقض الملازم لحركة «تركيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015