تمنح العرب مركزًا أفضل. ولو تم ذلك، لكان العرب من الرعايا الموالين. لكن السلطان عبد الحميد لن يغير سياسته وأعضاء «تركيا الفتاة» لن يتسلموا الحكم يومًا (43). لذلك فليس من سبيل إلى الخلاص إلا بالاستقلال. فعلى العرب والأكراد والأرمن أن ينفصلوا عن الإمبراطورية حتى تتقوض وتنهار. لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ بالعمل أولًا من الداخل، نظرًا لضعف جهاز الدولة، ومن الخارج أيضًا بواسطة الدول الأوروبية.
ويخصص العازوري قسمًا كبيرًا من كتابه لتحليل مصالح الدول وسياساتها في الشرق الأدنى، ثم ينتهي إلى الاستنتاج أن روسيا تشكل الخطر الأكبر (44)، وأن التوسع الألماني في آسيا الصغرى هو خطر أيضًا (45). لذلك لم يبقى من أمل إلا في إنكلترا وفرنسا، صاحبتي التقاليد الليبرالية، وخصوصًا فرنسا (46). لكن لاح له خطر آخر غير الخطر الروسي. ولعلنا نسمع هنا، للمرة الأولى، تحذيرًا من مطامع القوميين اليهود في العودة إلى فلسطين. وفي ذلك يقول: «تبرز في هذه الآونة في تركيا الأسيوية ظاهرتان خطيرتان متناقضتان على وحدة طبيعتهما، هما يقظة الأمة العربية، وسعي اليهود الخفي لإعادة ملاك إسرائيل القديم على نطاق واسع. أنه مكتوب لهاتين الحركتين أن تتصارعا باستمرار حتى تتغلب الواحدة على الأخرى. وعلى نتيجة هذا الصراع الأخيرة ... يتوقف مصير العالم أجمع (47)، على أن العازوري، في وقت لاحق، ألمح إلى أن إنشاء المستعمرات والمصارف اليهودية يؤدي إلى تقوية القومية العربية بفضل مصالح أقطاب المال في العالم (48)، فلم يكن بذلك منسجمًا مع نفسه.
ويكتفي العازوري برسم الخطوط الكبرى للدولة العربية المستقلة. فهي يجب أن تكون سلطنة دستورية ليبرالية، يرأسها سلطان مسلم عربي، على أن يحترم استقلال لبنان ونجد واليمن (49). لكن من يكون السلطان ومن يكون الخليفة؟ إنه لا يجيب بوضوح على هذا