مدارس الإرساليات الأميركية. ولعله من السهل معرفة سبب ذلك. إذ كان معظمهم من المسيحيين الأرثوذكس والإنجيليين، وفيما بعد، من المسلمين والدروز. فكان استقلال لبنان يعني لهم سيطرة الموارنة والثقافة الفرنسية وانتشار نفوذ الحكومة الفرنسية، بينما كانت فكرة «سوريا» تبدو لهم كوسيلة للتخلص من وضع الأقلية، دون الوقوع تحت سيطرة أخرى. على أنه كان هناك أيضًا مسيحيون كاثوليك ذوو تربية وميول فرنسية يؤيدون الفكرة السورية. ولعل مرد ذلك، جزئيًا على الأقل، إلى تأثير الأب اليسوعي البلجيكي، هنري لامنس، أحد مؤرخي الإسلام الكبار، الذي درس في الجامعة اليسوعية في بيروت طيلة حياته، وكان شديد الإيمان بكيان اسمه سوريا. وقد ظهر نفوره من الإسلام والقومية العربية بوضوح في كل كتاباته، حيث ميز أشد التمييز بين السوريين والعرب. كذلك ألف مطران بيروت الماروني، يوسف الدبس، تاريخًا واسعًا لسوريا، في ثماني مجلدات، تجلى فيها الالتباس الذي كاد يكون لا واعيًا بين فكرة سوريا وفكرة لبنان. ففي المجلدات الأولى نجد عرضًا لتاريخ سوريا، بمعناها الأعم، يسجل الوقائع التي توالت على البلاد في الأزمنة القديمة والمتوسطة والإسلامية على السواء، معتمدًا في ذلك مؤلفات المؤرخين الأوروبيين. لكنه عندما يصل إلى الأزمنة الحديثة، يتغير في محتواه وفي أسلوبه، فيصبح البحث فيه مقتصرًا أصلًا على تاريخ لبنان وتاريخ الطائفة المارونية بنوع خاص، وتغدو مصادره في معظمها مصادر محلية.

لكن عناصر التفكير لدى جميع هؤلاء الكتاب لم تكن تخلو من عنصر عربي. فقد كانوا يشعرون بصلة اللغة التي يجب أن تجمع بين الذين يختلفون في العقائد الدينية الموروثة، ويعتزون بالثقافة التي تعبر عنها تلك اللغة. من ذلك محاضرة ألقاها بطرس البستاني في 1859 ونوه فيها بكيان اسمه «العرب» وبشيء ينتمي هو إليه اسمه «الثقافة العربية». وبعد عشرين سنة من ذلك، وفي قصيدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015