اللبنانية بقلم «مسيو جوبلان» المستعار. فهذا الكتاب يزعم أن سوريا وحدة تاريخية مميزة، كانت وستبقى أبدًا صلة الوصل بين المدنيات المختلفة، المتوسطية منها والسامية. لكن للبنان، في داخلها، وضع خاص. فقد وجدت الأمة اللبنانية، منذ بدء التاريخ، واستطاعت أن تحتفظ بخصائصها تحت جميع حكام سوريا، وأن تتمتع بحكم ذاتي واسع حتى بعد أن غرقت في خضم السلطنة العثمانية. ولا بد لسوريا بكاملها من أن تصبح يومًا ما مستقلة وحرة، وأن يكون لبنان في طليعتها. فهو يتمتع رسميًا بالحكم الذاتي منذ 1861؛ لكن من الضروري أن يكون دستوره أكثر ديموقراطية، وأن تتسع حدوده كي تشمل بيروت وبعض الأقضية، وأن تعمل فرنسا على مساعدته في ذلك (33).
وكان هناك آخرون ممن حركتهم هذه الرؤيا نفسها، لكنهم عبروا عنها تعبيرًا مختلفًا. كانت المعطيات هي ذاتها: جبال لبنان وقراه، وأجراس الكنائس التي تدق بحرية، والبواخر الأوروبية التي تحميهم، وأيدي الأوروبيين التي تساعدهم على الإصلاح، وعهد جديد من السلام والتقدم مع جيرانهم المسلمين. لكن الصورة السياسية التي رسموها كانت ضمن إطار سوريا المستقلة لا لبنان، أي صورة دولة تشمل جميع أجزاء سوريا «الجغرافية» من جبال طوروس إلى صحراء سيناء، وصورة مجتمع يضم مسيحيين ومسلمين، دروزًا ويهودًا، يتعاونون تعاونًا تامًا، بحيث تزول أهمية الأكثرية أو الأقلية. لقد رأينا هذه الفكرة تلوح لبطرس البستاني في 1860 - 1861. وفي 1861 أيضًا، وضع خليل الخوري، أحد الصحفيين العرب الأولين، كتابًا عن «خرائب سوريا» موضوعه الآثار القديمة في البلاد. ومنذ حوالي ذلك الوقت، أخذ اسم سوريا يستعمل على نطاق واسع، محفوفًا بشعور الاعتزاز وإثبات الذات، وذلك بفعل عوامل شبيهة بالتي أدت إلى بروز فكرة مصر. وكانت فكرة سوريا منتشرة بنوع خاص بين متخرجي