وفي 1875، أنشأ بعض الشبان المسيحيين من حلقة البستاني جمعية سرية صغيرة، وعلقوا، بين 1879 و 1880، مناشير على جدران بيروت تدعو أبناء سوريا إلى الاتحاد وتطالب بحكم ذاتي موحد لسوريا ولبنان، وبالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية، وبإزالة القيود عن حرية التعبير والمعرفة (31). ولعل هؤلاء قد اتصلوا بمدحت باشا عندما كان حاكمًا لدمشق، إذ اتهمه خصومه بالسعي لجعل سوريا ذات حكم ذاتي أسوة بمصر، وهي تهمة لا تتناقض مع طموحه أو رغبته في إصلاح الإمبراطورية بمساعدة من أوروبا.

لم تكن هذه الجمعية الصغيرة على أهمية تذكر (32)، لكنها كانت مظهرًا من مظاهر استيقاظ الوعي السياسي لدى المسيحيين السوريين الذين استمدوا ثقافتهم وأفكارهم العامة من مدارس الإرساليات. فلم يخفف ذلك من رغبتهم في التشديد على تعلقهم بشعبهم الخاص، وعلى ضرورة إيجاد مجتمع يستطيعون الانتماء إليه انتماءً تامًا. لأنه لم يكن هناك، بالواقع، مثل هذا المجتمع. إذ بقيت الإمبراطورية، بالرغم من إصلاحات عهد «التنظيمات»، دولة إسلامية قبل كل شيء. نعم كان بعضهم، كخليل غانم، يقبلون بها، لكن على أمل جعلها دولة إسلامية ليبرالية. أما الآخرون، فقد خرجوا من عوالمهم الطائفية المغلقة ليمنحوا ولاءهم لتلك الأمة التي كانوا يفكرون، لا بل يحملون، بخلقها.

اتخذ هذا الحلم لديهم صورًا مختلفة. منها لبنان مستقل، يكون مركزًا لحياة مسيحية حرة، وتحت حماية دولة أوروبية كاثوليكية. والواقع أن ذلك كان، منذ 1861، أكثر من مجرد حلم. فهذا السنجق المنفصل، القائم بفضل اتفاق دولي، كان ذا حكم ذاتي داخلي وأكثرية مسيحية. لكنه لم يكن، في نظر الذين انصب شعورهم الوطني على لبنان، سوى خطوة في سبيل الاستقلال الحقيقي الذي لا بد من أن يتم يومًا ما بمساعدة أوروبية. هكذا كان يفكر مثلًا بولس نجيم الماروني، الذي وضع كتابًا في القضية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015