تعديل ميزان القوة ضمن الأمة، بنقلها مجددًا من أيدي الأتراك إلى أيدي العرب. فالعرب وحدهم يستطيعون حفظ الإسلام من الفساد، وذلك لمركز الجزيرة العربية في الأمة، ولمكانة اللغة العربية في التفكير الإسلامي. أضف إلى ذلك أن الإسلام العربي قد نجا نسبيًا من المفاسد الحديثة، وأن البدوي بقي بعيدًا عن الانحطاط الخلقي والخنوع الملازمين للاستبداد (28). فيجب إذن إعادة مركز الثقل إلى الجزيرة العربية، بتنصيب خليفة عربي من نسب قريش، يختاره ممثلون عن الأمة، ويكون له سلطة دينية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، على أن يعاونه في ممارسة السلطة مجلس استشاري يعينه الحكام المسلمون، كما يكون له سلطة زمنية في الحجاز، على أن يعاونه فيها مجلس محلي.

وظهرت أيضًا لدى المسيحيين العرب ظلال من «القومية». فقد كان معظمهم يخوضون داخل طوائفهم حربًا كانت لها مضاعفاتها القومية. فالطوائف التي انضمت إلى روما وتقبلت العقيدة الكاثوليكية بكاملها، كانت، بالرغم من ذلك، حريصة على عاداتها والامتيازات الممنوحة لها من روما، كاحتفاظ البطاركة بسلطتهم، واستعمال اللغة العربية أو السريانية في إقامة الطقوس. وكانوا دومًا يقاومون بشدة كل محاولة يقوم بها المرسلون الكاثوليك الغربيون لحملهم على تبني الطقوس والفرائض الدينية اللاتينية، أو الفاتيكان لفرض رقابته الشديدة أو المباشرة عليهم. أما في الطائفة الأرثوذكسية فالمسألة «القومية» كانت أكثر حدة أيضًا. فقد كان بطريرك القسطنطينية اليوناني لا يزال رئيسًا مدنيًا للكنيسة الأرثوذكسية في الإمبراطورية بكاملها منذ 1453، كما كانت عائلات الفنار اليونانية الكبرى تتمتع، منذ القرن السابع عشر، كما رأينا سابقًا، بنفوذ كبير لدى الحكومة العثمانية. وقد فرض اليونانيون، تدريجيًا، سلطتهم الكهنوتية على الكنيسة جمعاء. فزال البطاركة البلقانيون من الوجود وتعاقب على بطريركية أنطاكية يونانيون على العموم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015