سبيل بث أفكاره في الخلافة العربية. ولا شك في أن شدة غيرته على هذه القضية هي ما حمله على استخراج بعض مستلزمات تعاليم المصلحين بوضوح كبير، وعلى شرحها شرحًا يوافق فكرة القومية العربية.
ينطلق الكواكبي في آرائه من الفكرة التي ألفناها حتى الآن، وهي فكرة انحطاط الإسلام، ويفسر هذا الانحطاط التفسير المألوف. فيعزوه إلى قيام البدع، ولا سيما الصوفية المتطرفة الغريبة عن روح الإسلام، وإلى التقليد الأعمى ونكران حقوق العقل، والعجز عن التمييز بين الجوهري والعرضي في الدين. لكنة أضاف إلى ذلك شيئًا آخر ذكره الأفغاني ومحمد عبده، وهو أن الحكام المسلمين المتأخرين قد عمدوا إلى تشجيع روح التقليد الأعمى الغاشمة والاستسلام لفكرة الآخرة من أجل تدعيم سلطتهم المطلقة. وقد ألح الكواكبي على هذا العامل المؤدي بحد ذاته إلى الفساد والانحطاط، قائلًا إن الحكام المستبدين لم يكتفوا في عملهم الشرير بتأييد الانحراف عن الدين الصحيح، بل أفسدوا المجتمع بكامله. فالدولة العادلة التي فيها يحقق البشر غايتهم من الوجود هي تلك التي فيها يعيش الفرد حرًا، ويخدم المجتمع بحرية، وتسهر الحكومة على هذه الحرية، وتكون الحكومة نفسها خاضعة لرقابة الشعب. وهذا ما كانت عليه الدولة الإسلامية الحق (26). أما الدولة المستبدة، فنقيض ذلك تمامًا: فهي تتعدى على حقوق المواطنين، وتبقيهم جهلاء كي تبقيهم خانعين، وتنكر عليهم حقهم في القيام بدور فعال في الحياة، فتفصم، آخر الأمر، العلاقة الروحية بين الحكام والمحكومين، كما بين المواطنين أنفسهم، وتشوه كيان الفرد الخلقي بالقضاء على الشجاعة والنزاهة وشعور الانتماء الديني والقومي على السواء (27).
ولتحرير الإسلام من هذه الشرور، يجب إصلاح الشرع وإنشاء نظام شرعي موحد وحديث عن طريق الاجتهاد. ويجب أيضًا قيام تربية دينية صحيحة. لكن هذا وحده لا يكفي، بل أنه من الضروري