في 1898، جاعلًا من هذه المدينة مقره في السنوات الأخيرة من حياته. وهناك كتب مقالات في مجلة «المنار» ومجلات أخرى، وتردد على مجالس محمد عبده. ثم سافر إلى الجزيرة العربية وشرقي أفريقيا، ووضع كتابين: «طبائع الاستبداد»، و «أم القرى»، وهو أحد أسماء مكة المكرمة. لم يكن هذان الكتابان، إجمالًا، على شيء من الابتكار. فآراؤه العامة في الإسلام هي آراء حلقة محمد عبده ورشيد رضا. ولعله تأثر بكتاب «مستقبل الإسلام» لبلنط (22)، كما استمد إطار كتابه عن الاستبداد وبعض أفكاره فيه من كتاب ألفياري في الموضوع نفسه. وهو يعترف، في مقدمة كتابه، بأنه اقتبس عن غيره قدرًا معينًا من الأفكار؛ ويبدو أن ذلك كان معروفًا لدى الكثيرين، إذ إن رشيد رضا يشير إلى ذلك في تأبينه له، لكنه ينفيه على أساس أن الصورة التي رسمها الكواكبي عن المجتمع الشرقي كانت من الصدق بحيث لا يكون قد نقلها عن مؤلف غربي (23). وقد أبانت الدراسات الحديثة، وأن بما لا يزال يقبل الشك، أنه استعار شيئًا من كتاب ألفياري كما أظهرت، بالوقت نفسه، إمكان تعرفه إلى هذا الكتاب. فمن الثابت الآن أن شابًا تركيًا ترجم الكتاب إلى اللغة التركية في 1897 ونشره في جنيف؛ ولا يستبعد أن تكون هذه الترجمة قد وصلت إلى حلب أو القاهرة (24). لكن مهما يكن من أمر، فإن مؤلفاته لا تخلو من طابع الابتكار الناجم عن شدة تمسكه بمصالحه ومعتقداته السياسية. فقد كان خصمًا عنيدًا لعبد الحميد في استبداده، ولمستشاره أبي الهدى في آرائه الدينية، ناهيك بما كان بينهما من خصام عائلي. ذلك أن العائلات الدينية في حلب كانت تشك دومًا في ادعاء أبي الهدى، المولود أيضًا في حلب، بأنه من سلالة النبي، وتستاء من استخدام نفوذه في القصر لإسناد نقابة الأشراف في حلب إلى عائلته. وكان الكواكبي، من جهة أخرى، وقد وطد صلته بالخديوي وراح يمتدح سياسة الأسرة المالكة في مصر (25). ولعله قام برحلاته من أجل الخديوي وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015