حكم محمد علي «ودعوة ابنه إبراهيم إلى إمبراطورية عربية» (20).

ولعله كان بتشجيع ما، من أحد المصادر، أن أخذ أشراف مكة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، يدعون أنهم أحفاد النبي الخلص، وحراس الإيمان؛ وبمعنى ما، زعماء العالم الإسلامي الروحيون، مع أنه لم يكن لديهم أي أساس ثابت يقيمون عليه هذا الادعاء. لقد كانوا ولا شك يتمتعون ببعض الاحترام كحكام الأماكن المقدسة؛ لكن لم يكن لهم أفضلية دينية بأي معنى من المعاني. وقد وصفهم عالم هولندي مطلع، عاش مدة في مكة، بأنهم أقرب إلى «نبلاء قطاع الطرق» في القرون الوسطى منهم إلى رجال الدين (21). كان حكمهم للأماكن المقدسة حكمًا ضعيفًا، لا يمتد بعيدًا إلى ما حولها بصورة مستمرة. واستقلالهم استقلالًا واهيًا يقتنصونه بإقامة توازن بين إسطنبول والقاهرة، إلى أن ساءت أحوالهم، أولًا بعد الفتح الوهابي، ثم بعد الاحتلال المصري للحجاز. ولما عاد الأتراك إلى الحجاز في 1847، فرضوا عليهم السلطة ذاتها التي كان قد فرضها عليهم محمد علي، لا بل جعلوها أشد إحكامًا، حتى غدوا، في 1880، غير قادرين على مقاومة موظفي السلطان بالقوة، خصوصًا بعد أن أصبح السلطان هو الذي يختارهم ويعينهم. وهذا ما حملهم على السعي لوضع حد لهذه الحالة، والتطلع في سبيل ذلك إلى تأييد قد يأتيهم من الخديوي، أو من الزعماء الدينيين في إسطنبول، أو من عطف العالم الإسلامي العام.

لقد وجدت التيارات الفكرية التي لمحنا إليها تعبيرًا لها في كتابين وضعهما أحد أبناء تلك العائلات الراسخة في العلم من الولايات العربية التي كانت تلك التيارات منتشرة فيها، هو عبد الرحمن الكواكبي (1849 - 1903). نشأ الكواكبي في كنف عائلة حلبية من أصل كردي، وتلقى تربية عربية وتركية من الطراز القديم في مسقط رأسه. ثم عمل هناك موظفًا وصحفيًا، إلى أن جلب عليه نقمة السلطات التركية، ففضل الرحيل إلى القاهرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015