ويقول بلنط ما يفهم منه أن محمد عبده كان يأخذ بهذه الآراء. لكن من حقنا الشك في صحة هذا القول أو، على الأقل، التساؤل بصدده. فلو كان محمد عبده، بالفعل، قد تبنى مثل هذه الأفكار في مرحلة من حياته، فهل كانت تعبر بالحقيقة عن اعتقاده الناضج؟ صحيح أنه كان يرفض دعوى السلطان التركي للخلافة. فقد قال، في مناسبة لاحقة، إن دعوى العثمانيين هذه لم تكن إلا لمصلحتهم لا لمصلحة الإسلام، وأن الذين كانوا يقومون بالدعاية لها لا يفقهون حقيقة الخلافة. لكنه أخذ، بمرور الزمن وازدياد الضغط الأوروبي، يقدر أكثر فأكثر قيمة السلطنة بالنسبة إلى الإسلام وخطر زوالها عليه. فقد قال لرشيد رضا، في 1897، إن العرب، إذا حاولوا الانفصال عن السلطنة، فمن الممكن أن تتدخل أوروبا وتخضعهم وتخضع الأتراك معهم. فالسلطنة العثمانية كانت، مع كل نقائصها، الشيء الوحيد الباقي من استقلال الأمة السياسي. فإذا اضمحلت، خسر المسلمون كل شيء وغدوا بلا قوة كاليهود (16).

إن هذا الحذر نفسه، الذي لمسناه في موقف أعيان القدس كما وصفه لنا «فين»، قد ظهر فيما بعد في موقف رشيد رضا، تلميذ محمد عبده. لكن هذا لا يسمح لنا بالاستنتاج أن بلنط نسب إلى غيره آراء كان هو يدين بها. فمن الممكن جدًا أن يكون بعض العلماء في سوريا والحجاز قد قالوا بهذه الآراء عندما وضع كتابه، مع العلم بأن هذه الأفكار انتشرت في الربع اللاحق من القرن انتشارًا واسعًا، وذلك لعدة أسباب. منها ما عرف عن السلطان من عجز عن الدفاع عن الإسلام ضد أعدائه، ناهيك بقيام مختلف الفئات ذات المصلحة في إعداد العقول لقبول فكرة نقل الخلافة إلى العرب. وقد كان شريف مكة مرشحًا لها، بوصفه الحاكم المباشر للأماكن المقدسة وسليل أسرة متحدرة من صلب النبي. إن هذه الحقبة لا تزال غامضة، ومن الضروري التحدث عنها بحذر. وليس من المستبعد، وفقًا لظواهر الأمور، أن بعض الموظفين البريطانيين في الشرق الأدنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015