الحالي، فيجب أن يكون مقبولًا على ما هو. أما دعاة التجديد، فكانوا يريدون خوض نهر التطور صعدًا إلى النقطة التي عندها بدأ الضلال، ومنها صعدًا أيضًا حتى الالتقاء بالإسلام الأول كما كانوا يتصورونه. إذ ذاك يتضح أن لا أهمية لعظمة السلطان البارزة اليوم، إذا ما نظر إليها على ضوء الحقيقة، وهي أن العرب كانوا في عصور الإسلام الذهبية رأس الأمة وقلبها. وهكذا كانت العودة إلى نقاوة الإسلام الأولى تعني لهم بالواقع تحويل مركز الثقل من الأتراك إلى العرب. فإذا كان لا بد من خليفة على الإطلاق، فلا يجوز أن يكون إلا خليفة عربيًا.

في كتاب بلنط، «مستقبل الإسلام»، ما يشير إلى شيوع مثل هذه الآراء في أوائل الثمانينيات. فهو يشكل، كما رأينا (15)، دفاعًا عن فتح باب الاجتهاد من جديد، وإعادة بناء الخلافة الصحيحة، لتكون هي السلطة العليا التي منها يستمد الإصلاح العقائدي شرعيته. لكن الكتاب يصرح بأن السلطان العثماني لا يمكنه أن يكون خليفة من هذا النوع. فهو لا يملك حقًا شرعيًا في الخلافة، كما أن التقليد العثماني بكامله يتنافى مع فتح باب الاجتهاد. وعلى كل، فإن مستقبل الإمبراطورية غامض. وليس من المستبعد أن تبتلعها روسيا والنمسا، فيتخلى الأتراك، إذ ذاك، عن الإسلام. لذلك فإن الإصلاح متوقف على العرب، وبالأخص على العلماء منهم الذين يحتلون قلب العالم العربي. فهؤلاء هم أجدر الناس بممارسة الاجتهاد. غير أنه لا يمكنهم القيام بذلك بحرية، إلا إذا عادت الخلافة إلى العرب. فإذا ما انهارت الإمبراطورية نهائيًا، فقد ينعقد مجلس من العلماء في مكة لاختيار خليفة عربي، ويكون بالأرجح من أشراف مكة. إذ ذاك تصبح مكة أو المدينة «دولته البابوية». على أنه من الممكن أيضًا أن تكون القاهرة مقرًا للخلافة، فيرضى الجميع، ما عدا الأتراك، بخليفة عربي يصلح بين جميع الفرق والشيع ويرفع عن كاهل الإسلام عبء الجمود التركي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015