يعبرون بأساليب شتى عن استنكارهم لمطلب العثمانيين في الخلافة، منها طريقة لفظهم للقب «خان» الذي يحمله السلطان بحيث يبدو كأنه من مشتقات فعل «خان» إذ يقولون «عبد الحميد الخاين» (10) إنهم يمقتون الأتراك ويكرهونهم منذ الفتح العثماني لبلاد العرب. ويعود هذا العداء إلى الفرق في الجنس وإلى ذكريات الفتح المتوارثة. إلا أن ولاءهم للإسلام هو من القوة بحيث يقضي في قلوبهم على أي شعور آخر. فالسلطان في نظر العرب المثقفين خليفة بواقع الحال لا بل خليفة شرعي. لذلك يعترفون به ويطيعونه قيامًا منهم بواجب ديني (11).

لقد وضع صاحب هذا القول كتابه بين عامي 1870 و 1872، حين كانت الدعاية للخلافة لم تكد تبدأ بعد. لكن الشكوك العربية أخذت تزداد بازدياد تلك الدعاية، حتى أن العرب الذين كانوا في خدمة عبد الحميد لم يؤمنوا بأن السلاطين هم خلفاء حقًا، أو أن عبد الحميد نفسه هو الرجل الذي سينقذ الإسلام. وكان أبو الهدى يدافع في بعض الأحيان عن الخلافة العربية لتخويف سيده على الأقل، إن لم يكن لأسباب أخرى (12). وقد قال ابن أحمد فارس الشدياق (وكان على الأرجح يعكس أفكار أبيه) إلى زائر إنكليزي في 1884 أن عبد الحميد، وإن كان ذا نوايا حسنة ولطيفًا نحوه شخصيًا، إنما يجهل أحوال العالم. وإنه بالحقيقة «مجنون» (13). كما قال له أن الدولة التركية بكاملها في دور الاحتضار وأن الخلافة ستعود يومًا إلى الجزيرة العربية (14). وإذا كانت مثل هذه الأفكار تظهر حتى في معسكر السلطان، فإنها كانت ولا شك أكثر بروزًا لدى دعاة التجديد من المسلمين. فقد كان بينهم وبين المسلمين أمثال أبو الهدى فارق يتعدى التباين في الشخصيات، بل حتى في الآراء السياسية. إذ أنه كان فارقًا في كامل مفهومهم للإسلام. فأبو الهدى كان من مؤيدي الإسلام كما وصل إليه بتقاليده وتعاليمه الصوفية وزعامته التركية. فالأمة «لا تجمع على خطأ»، وإذا كانت قد اتخذت آخر الأمر شكلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015