المشتركين في المؤتمرين متفقين على أمر واحد لا غير: التخلص من استبداد عبد الحميد. أما في ما عدا ذلك، فقد كان الأتراك يريدون دولة دستورية موحدة، بينما كان الأرمن لا يريدون ذلك، لأنهم لم يكونوا يرغبون في منح الإمبراطورية فرصة جديدة للاستمرار في الحياة. وقد أعلنوا، في البيان النهائي الصادر عن مؤتمر 1902، عدم مشاركتهم سائر الأعضاء في الرغبة في تحويل النظام القائم إلى نظام دستوري، بدعوى أن هذا التحويل «ليس مناسبًا لا بل هو مخالف لمصلحتهم» (9). كذلك كان الأتراك يشكون في الحكمة من دعوة الدول الأوروبية لمساعدتهم على قلب النظام، إذ كانوا يتخوفون من أن يؤدي ذلك إلى إقامة حماية أجنبية على البلاد، بينما كان المسيحيون لا يعارضون كثيرًا الحماية الأجنبية المسترة أو الظاهرة، إذ كانوا يأملون أن تؤدي إلى الإصلاح.
كان الأرمن المؤيدون لتركيا الفتاة أرمنًا قوميين قبل كل شيء، كما كان العرب سائرين على الطريق التي تؤدي بهم إلى القومية العربية. وقد يكون العامل الأكبر الذي دفع بالعرب في هذا الاتجاه مطالبة الأتراك بالخلافة رسميًا، حوالي منتصف القرن التاسع عشر. وهناك أدلة تشير إلى أن هذه المطالبة كانت تلاقي، في كل مرة ظهرت فيها، موقفًا سلبيًا لدى العرب الذين ورثوا تراث الثقافة الإسلامية. إذ كانوا قد تعلموا من السلف العقيدة الصحيحة في الخلافة، هذه العقيدة المتصلة جوهريًا باعتزازهم بما قام به العرب في سبيل الإسلام. كان من الممكن أن يقبلوا بالسلطان سلطان، أي كحام ضروري للإسلام، لكن لم يكن بإمكانهم القبول بأكثر من ذلك. وقد أجاد في وصف موقفهم المزدوج هذا مراقب عاش في القدس في الخمسينيات والستينيات وكان له اتصال قوي بهذه الفئة من العرب، حين قال إن هؤلاء العرب لا يمكنهم أن يفهموا كيف يكون سلطان الأتراك الأغراب القادمين من بلاد التتر خليفة للنبي العربي القرشي محمد، وكيف تكون له سلطته لتنصيب شريف مكة وإقالته. وهم