الأول، الاستبداد الذي «يطيح بالعواطف في أعماق النفس، ويفسد الروح ويقضي على معنى الانصاف ومفهوم العدل الدقيق عند الإنسان ويشوش أحكامه ويجعل من أناس قد يبرزون بذكائهم أو بطيبة قلبهم أشرارًا وحمقى» (6)؛ والثاني، الإسلام الذي، بعد أن كان في البدء متسامحًا، ما لبث أن أصبح مستبدًا، إن في أيام الخلفاء العرب الذين كانوا «تحت ستار مظهرهم المتدروش على استبداد مقيت»، وإن على أيام الأتراك الذين درجوا على عدم التساهل أثناء صراعهم الطويل مع المسيحية. أما العلاج فكان، في نظره، العودة إلى دستور 1876 ومراقبة تربية الأمراء ومحيطهم الخلقي مراقبة دقيقة (7).

لقد كان خليل غانم لا عروبيًا قبل كل شيء. فروح الاضطهاد تميز، في نظره، جميع الشعوب الإسلامية، لكنها تميز العرب على الأخص (8). قد يكون موقفه هذا متأثرًا بمارونيته أو نتيجة لذوبانه التام في حركة الإصلاح العثماني؛ غير أن مثل هذا الذوبان كان نادرًا، إذ كانت النعرات والمشاعر الوطنية قليلًا ما تختفي تحت سطح الوحدة العثمانية. فقد كان هناك اختلاف في المواقف في صميم حركة «تركيا الفتاة» في المنفى. فأحمد رضا ورفاقه كانوا قوميين أتراكًا قبل كل شيء، يدافعون عن استمرار سيطرة العنصر التركي في الدولة حتى في حالة إعادة الدستور؛ بينما كان الأمير صباح الدين وعصبة اللامركزية الإدارية التي كان يتزعمها، يطالبان بمساواة تامة بين الأجناس والأديان، وبحكم ذاتي واسع للولايات. وكان هذا الانقسام مهمًا، لأنه كان يخفي انقسامًا في الرأي حول علاقات الدولة العثمانية بالشعوب الخاضعة لها. فكان صباح الدين يعتقد أن الشعوب، لو ترك لها الخيار، لاختارت الولاء للإمبراطورية، بينما كان أحمد رضا يعتقد أنها سوف تستفيد من حرية الخيار هذه لتحقق استقلالها. ومن الصعب الشك في صحة نظرة أحمد رضا. فما جرى في مؤتمري الأحرار العثمانيين يبدو مؤيدًا لذلك. فقد كان جميع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015