صلات تركت فيهم تأثيرًا دائمًا. فترجم واحد منهم، وهو خليل الخوري؛ مقالته عن ماضي الإمبراطورية وحاضرها ومستقبلها إلى العربية، كما لعب آخر فيما بعد، وهو سليمان البستاني ابن عم بطرس، دورًا في السياسة العثمانية بعد إعادة الدستور في 1809. وقد اكتسب سليمان البستاني شهرة خاصة كمترجم للإلياذة إلى العربية، بعد أن درس اليونانية لهذا الغرض. ولعله كان أول كاتب عربي قام بدراسة جدية للشعر اليوناني وفلسفة الشعر. لكن أحد مؤلفاته الأخرى كان أقرب إلى موضوعنا، وهو «عبرة وذكرى»، أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده، الذي صدر فورًا بعد ثورة 1908. ففي هذا الكتاب، كما يدل عنوانه، وصف لما كانت عليه الإمبراطورية في عهد عبد الحميد، وبرنامج عمل أيضًا، منطلقة القومية العثمانية وبطله مدحت باشا الذي قدم الكتاب إليه إحياء لذكراه. يقول المؤلف أن هناك أمة عثمانية تضم مختلف الشعوب والطوائف الدينية في الإمبراطورية، لكن مع بعض الأولوية فيها للأتراك والمسلمين. كانت هذه الأمة، قبل عبد الحميد، تسير قدمًا في طريق التمدن والتفاهم الديني، وبإمكانها الآن أن تتقدم من جديد. لكن الشرط الأول لتقدمها إنما هو زوال التعصب الديني والعرقي الأعمى وإنماء الروح القومية.
وقد استمر الكتاب اللبنانيون والسوريون، وهم بمأمن من بوليس عبد الحميد، على نشر الأفكار الدستورية علنًا، حتى قبل ثورة 1908. وكانت الجريدتان اللبنانيتان في القاهرة، أي المقطم والأهرام، تهاجمان السلطان بلا ملل. وكان خليل غانم، المقيم في باريس بعد حل برلمان 1878، يكتب ويؤلف. وهو أحد زعماء جماعة «تركيا الفتاة» الصغيرة التي أبقت على الأفكار الليبرالية حية طيلة أعوام التضعضع، وأحد النواب الموارنة عن بيروت في برلمان 1878. من مؤلفاته كتاب عن السلاطين العثمانيين يوضح لنا ماهية تفكيره: كان ما أهلك «الأمة العثمانية»، في نظره، أمران: