يمكن المحافظة على وحدة الإمبراطورية إلا بقوة السلطان وسيطرة العنصر الإسلامي، وأنه لا يصون ما تبقى من وحدة الإسلام واستقلاله إلا الإمبراطورية. وهكذا كان بين مستشاري السلطان ومؤيديه الأقربين عرب أمثال أبو الهدى، المنفذ لسياسته الدينية، وعزت باشا، كاتم أسراره ومدبر أموره السياسية، كما كانت أكثرية العرب، على الأرجح، وبالأخص في الولايات السورية، غير مستاءة من حكمه، وذلك لاعتبارات دينية من جهة، وبسبب المكاسب المادية التي كانت الولايات السورية تحصل عليها من انتشار المدارس وتمديد الخطوط الحديدية، من جهة أخرى. لكن كان هنالك من يعتقد أنه لا يمكن المحافظة على الإمبراطورية إلا بتحويلها إلى ملكية دستورية، يتمتع فيها بحقوق متساوية المسلمون وغير المسلمين والأتراك وغير الأتراك. وقد ظهرت هذه الفكرة أولًا لدى «الشباب العثمانيين» في باريس ولندن، ولدى رجال الدولة المصلحين الذين قاموا بانقلاب 1875 بقيادة مدحت باشا، واضعين بذلك موضع التنفيذ أول تجربة دستورية (3). لكن بعد إخفاق هذه التجربة وعودة السلطان إلى الحكم الشخصي، انهارت المقاومة المنظمة وأخذ الاستياء يعمل في الخفاء، وباستثناء حزب «الاتحاد والترقي» القصير العمر، المؤسس في 1889 على يد طلاب في المدارس الحربية والمنحل عمليًا في 1896، لم يبق من مقاومة ملحوظة، إلا تلك التي أبقاها حية وعبر عنها فريق صغير من المنفيين في باريس وأمكنة أخرى في أوروبا. فقد أصدر هؤلاء، بقيادة أحمد رضا الذي انضم إليه في 1899 أحد أصهرة السلطان داماد محمود باشا وولداه صباح الدين ولطف الله، مجلات بالتركية والفرنسية، ونظموا مؤتمري «العثمانيين الأحرار»، المنعقدين الأول في 1902 والثاني في 1907 لتنسيق المقاومة ضد حكم السلطان الأوتوقراطي.
وقد ساهم في هذه الحركة العرب أيضًا، لكن المسيحيين السوريين منهم أكثر من المسلمين. ويبدو أنه كان هناك، منذ بدء