العهد العربي في تاريخ الأمة الإسلامية. وكانت أيضًا إمبراطورية محمد علي القصيرة العمر عربية بفضل الجغرافيا: فالتوسع المصري كان لا بد له في البدء أن يكون توسعًا في البلدان العربية. لكن هل كانت عربية بمعنى آخر، وهل توخى محمد علي إنشاء مملكة عربية؟ لم يكن هناك، لا في أقواله ولا في سياسته، ما يدل على ذلك؛ لكننا نجد بعض ما يشير إلى ذلك في أقوال ابنه ومساعدة الأكبر إبراهيم باشا. فهو يقول: «أنا لست تركيًا. فقد أتيت إلى مصر عندما كنت فتيًا، ومنذ ذلك الوقت غيرت شمس مصر دمي وجعلته عربيًا خالصًا». وقد استشهد الكثيرون بهذه العبارة التي قالها إبراهيم باشا إلى زائر فرنسي، كما استشهدوا بتعليق هذا الزائر عليها إذ قال أن هدف إبراهيم إنما كان تأسيس دولة عربية خالصة يعيد بها «للعنصر العربي قوميته ووجوده السياسي» (1). وفي ذلك الوقت عينه، كتب إبراهيم إلى والده كتابًا يكاد ينم عن المعنى نفسه، يقول فيه إن الحرب مع الأتراك كانت حربًا وطنية وعنصرية، وأن على الإنسان أن يضحي بحياته في سبيل أمته (2). لكنه ليس واضحًا لدينا ما الذي عناه بهذا القول، وما إذا كان يعبر به عن أكثر من حالة فكرية عابرة.
غير أن بعض المظاهر تدل على أن الشعور بالفرق بين الأتراك والعرب كان، بتأثير من هذه الحركات وربما أيضًا بتأثير من انتشار القومية بين رعايا الإمبراطورية البلقانيين، آخذًا في النمو خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. لكن القومية العربية الصريحة، كحركة لها أهميتها وأهدافها السياسية، لم تظهر إلا حوالي آخر القرن التاسع عشر. فحتى ذلك التاريخ، كانت مصالح العرب العثمانيين ونشاطاتهم السياسية موزعة بين الحركات العامة المتصارعة داخل الإمبراطورية بشكل سافر أولًا ثم بشكل خفي طيلة عهد عبد الحميد. فمن جانب، وقف السلطان يؤيده ليس من كانت مصلحتهم تقضي بالإبقاء على النظام القائم فحسب، بل أيضًا من كانوا يعتقدون أنه لا