مستمرًا بالواقع، وراح يتجلى، لا في المجادلات الأدبية حول الشعوبية فحسب، بل أيضًا في الصراع من أجل السلطة الكامن وراءها. وعندما انتقلت السلطة، آخر الأمر إلى الأتراك والجماعات المنتسبة إليهم وغدت اللغة التركية لغة الحكم، احتفظت اللغة العربية بمركزها الممتاز كلغة الثقافة الدينية والشرع، أو بتعبير آخر، لغة الدولة التي كانت من الوجهة الدينية عماد الشريعة، فكانت بذلك الوسيلة التي بواسطتها استمر العرب يقومون بدورهم في شؤون المجتمع العامة.

ولما تفككت الإمبراطورية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اتسم التطور الطبيعي، كما حدث غالبًا في التاريخ، ببعض الملامح القومية: فقد تزعم الشعور الإقليمي وحركة المقاومة في ولايات الإمبراطورية زعماء من الأسر الدينية في المدن الكبرى، تلك الأسر التي استطاعت، بفضل النظام الديني، أن تحافظ على ثروتها ومركزها الاجتماعي وأن تشغل مراكز دينية محلية كانت تربطها بالزعماء الدينيين في جميع أنحاء الإمبراطورية، وتكسبها، في الغالب، الوضع الممتاز الذي كان يتمتع به الأشراف المتحدرون من صلب النبي. وكانت هذه العائلات تدخر علوم اللغة العربية وتتوارثها من جيل إلى جيل كوسيلة ضرورية لعلوم الدين. وكان الاعتزاز بالأصل العربي، أو غالبًا بالتحدر من صلب النبي أو من صلب أحد أبطال الإسلام الأولين، يمتزج لدى هذه العائلات بالافتخار بما فعله العرب في سبيل الإسلام، مما كان من شأنه أن يعزز شعورها بالمسؤولية نحو الجماعة وماضيها، ذلك الشعور الذي تميز به دومًا أهل السنة والجماعة. وعلى هذا، يمكن اعتبارها، بمعنى من المعاني، لسان حال الوعي «العربي». ومن جهة أخرى، كانت المملكة الوهابية في الجزيرة عربية، وذلك لا لكونها قامت عرضًا في منطقة عربية اللسان فحسب، بل لأنها كانت أيضًا، بدعوتها المسلمين إلى العودة إلى نقاوة الإسلام الأولى، تحيي في أذهانهم ذكرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015